الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              الفصل الأول

              في بيان حقيقة الاختلاف وما يتصل بها

              الاختلاف والخلاف وعلم الخلاف

              الاختلاف والمخالفة أن ينهج كل شخص طريقا مغايرا للآخر في حاله أو في قوله. والخلاف أعم من (الضد ) لأن كل ضدين مختلفان، وليس كل مختلفين ضدين، ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يفضي إلى التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة، قال تعالى:

              ( فاختلف الأحزاب من بينهم ... ) [مريم: 37]

              ( ولا يزالون مختلفين ) [هود: 118]

              ( إنكم لفي قول مختلف ) [الذاريات: 8] [ ص: 23 ]

              ( إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) [يونس: 93].

              وعلى هـذا يمكن القول بأن (الخلاف والاختلاف ) يراد به مطلق المغايرة في القول أو الرأي أو الحالة أو الهيئة أو الموقف.

              وأما ما يعرف لدى أهل الاختصاص بـ (علم الخلاف ) فهو علم يمكن من حفظ الأشياء التي استنبطها إمام من الأئمة، وهدم ما خالفها دون الاستناد إلى دليل مخصوص، إذ لو استند إلى الدليل، واستدل به لأصبح مجتهدا وأصوليا، والمفروض في الخلاف ألا يكون باحثا عن أحوال أدلة الفقه، بل حسبه أن يكون متمسكا بقول إمامه لوجود مقتضيات الحكم -إجمالا- عند إمامه كما يظن هـو، وهذا يكفي عنده لإثبات الحكم، كما يكون قول إمامه حجة لديه لنفي الحكم المخالف لما توصل إليه إمامه كذلك.

              الجـدل و (علم الجـدل)

              إذا اشتد اعتداد أحد المخالفين أو كليهما بما هـو عليه من قول أو رأي أو موقف، وحاول الدفاع عنه، وإقناع الآخرين به، أو حملهم عليه سميت تلك المحاولة بالجدل.

              فالجدل في اللغة (المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة ) مأخوذ من (جدلت الحبل ) إذا فتلته وأحكمت فتله، فإن كل واحد من [ ص: 24 ] المتجادلين يحاول أن يفتل صاحبه ويجدله بقوة وإحكام على رأيه الذي يراه.

              وأما (علم الجدل) فهو: علم يقوم على مقابلة الأدلة لإظهار أرجح الأقوال الفقهية [1] .

              وعرفه بعض العلماء بأنه (علم يقتدر به على حفظ أي وضع يراد ولو باطلا وهدم أي وضع يراد ولو حقا ) [2] .

              ويظهر في هـذا التعريف أثر المعنى اللغوي للجدل؛ لأنه -على هـذا- علم لا يتعلق بأدلة معينة، بل هـو قدرة أو ملكة يؤتاها الشخص ولو لم يحط بشيء من الكتاب والسنة ونحوهما.

              الشـقـاق فإذا اشتدت خصومة المتجادلين، وآثر كل منهما الغلبة بدل الحرص على ظهور الحق ووضوح الصواب، وتعذر أن يقوم بينهما تفاهم أن اتفاق سميت تلك الحالة بـ (الشقاق) و (الشقاق) أصله: أن يكون كل واحد في شق من الأرض أي نصف أو جانب منها، فكأن أرضا واحدة لا تتسع لهما معا، وفي التنزيل ( وإن خفتم شقاق بينهما ) [النساء: 35] أي خلافا حادا يعقبه نزاع يجعل كل واحد منهما في شق [ ص: 25 ] غير شق صاحبه، ومثله قوله تعالى ( فإنما هـم في شقاق ) [البقرة: 137].

              التالي السابق


              الخدمات العلمية