الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مقومات الشخصية المسلمة أو الإنسان الصالح

الدكتور / ماجد عرسان الكيلاني

4- مستوى الإرادة ومستوى المثل الأعلى

يتحدد مستوى الإرادة طبقا لمستوى المثل الأعلى المعروض على القدرات [ ص: 108 ] العقلية. ويختلف مستوى الإرادة عن نموها في أن مستوى الإرادة هـو انتقال طولي من مستوى إرادة بقاء الجسد – مثلا – الى مستوى إرادة بقاء النوع، أو من هـذا الثاني إلى مستوى إرادة الارتقاء بالنوع البشري. أما نمو الارداة فهو امتداد أفقي باتجاه نموذج المثل الأعلى ، الذي يقابل مفردات الإرادة، كأن تنمو إرادة الإحسان، وتتوجه نحوه، بعد عرض المثل الأعلى لقيمة الإحسان.. وأن تنمو إرادة العمل وتتوجه نحوه، بعد عرض المثل الأعلى لقيمة العمل.. وأن تنمو إرادة التنظيم، وتتوجه نحوه، بعد عرض المثل الأعلى لقيمة التنظيم، وهكذا.

إذن فالمستوى الذي يعرض من المثل الأعلى، هـو الذي يقرر مستوى الإرادة الحاصل، فيرفعها – إن شاء – حتى تبلغ إرادة الارتقاء بالنوع الإنساني.

ويحبسها إن شاء عند مستويات إرادات الطعام والنكاح. أي أن العلاقة بين المثل الأعلى والإرادة، طردية.. فالإرادة ترتفع بارتفاع مستوى المثل الأعلى المعروض، وتهبط بهبوط المثل الأعلى المعروض.

وهذا قانون له آثاره الخطيرة في مجال التطبيق، ومواقف الحياة، فالخطباء والشعراء لا يستطيعون إثارة التضحية عند الشعب، إلا إذا كانت المؤسسات التربوية قد نمت مفردات هـذه الإرادة، ورفعت مستواها قبل ذلك.. ولذلك تحددت عمليات التربية الإسلامية طبقا لهذا المبدأ..

فالفقهاء والمربون ينمون الإرادات، ويرفعون مستواها بالإعداد النظري والتطبيق العلمي، الذي يمتد لسنين طويلة.. والوعاظ والخطباء يستثيرون الإرادات الكامنة خلال دقائق فقط، ولكنهم لا يستطيعون عمل شيء في هـذا الشأن، إذا كانت الإرادات ضعيفة أو ميتة.

وهذا المبدأ، من الأسباب الرئيسة التي تدفع السياسات الاستعمارية والأنظمة السياسية التي تمثل الفئات المستغلة، الى الهيمنة على المؤسسات والنظم التربوية والإعلامية، واستغلالها لعرض " مثل السوء " أو تشويه " المثل الأعلى " ، إذا كان موجودا في الأصل، أو حجبه بغية توليد إرادات [ ص: 109 ] ضعيفة أو فاسدة، بينما تترك الحرية لبعض الخطباء والوعاظ لينخوا في إرادات ميته أو غائبة. وهو نفس السبب الذي يجعل الدين الإسلامي هـدفا لعداوات المستعمرين، والمترفين، والمتسلطين في كل زمان ومكان.

التالي السابق


الخدمات العلمية