الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
2-مظاهر الأزمة في المؤسسات التربوية الحديثة

تعاني المؤسسات التربوية الحديثة في الأقطار العربية والإسلامية من نفس المشكلة التي تعاني منها المؤسسات الإسلامية التقليدية. ولكن مع اختلاف في الأعراض. ويمكن القول: إن الأزمة المذكورة تتركز فيما يلي:

أ- حضر مفهوم " العمل الصالح " في القدرات والمهارات المادية

قامت المؤسسات التربوية الحديثة – في الأصل – لتعالج النقص الذي تعاني منه المؤسسات الإسلامية التقليدية, وهو العجز في ميدان " القدرات التسخيرية " . غير أن قيامها بهذا الشكل لم تصحبه دراسات تشخيصية لعلاج الوضع التربوي برمته، وإنما كان قيمها رد فعل انفعاليا أحدثه الإحساس بالنقص في ميدان العلوم الطبيعية والإدارية والعسكرية. لذلك قفزت هـذه المؤسسات إلي الطرف المقابل للمؤسسات الإسلامية، واعتنت بـ " القدرات التسخيرية " عناية أهملت بسببها " الإرادة العازمة النبيلة " التي تتولد من تزاوج القدرات العقلية مع المثل الأعلى. فإذا كانت المؤسسات الإسلامية [ ص: 147 ]

التقليدية قد حصرت مفهوم " العمل الصالح " في الأخلاق الفردية، فان مؤسسات التربية الحديثة قد حصرته بـ " القدرات والمهارات " المادية.

ولذلك جاء الطابع العام لشخصية الخريج من هذه المؤسسات نموا في جانب القدرات والمهارات وعجزا في الجانب الإرادي، أي تعكس ماهو قائم في المؤسسات التربوية الإسلامية.

ولقد ترتب على هذه الجزئية في مفهوم " العمل الصالح " عدة نتائج سلبية أهمها:

النتيجة الأولى : إن حصر " العمل الصالح " في المؤسسات الحديثة بالقدرات والمهارات وانحساره من ميادين الإرادة العازمة النبيلة، أدى إلى انفلات الخرجين من الأخلاق، ومعايير القيم ، وما ينتج عن ذلك من مضاعفات.

والنتيجة الثانية: إن حصر " العمل الصالح " – وهو هنا العمل الناجح – في المهارات والقدرات المادية ، وانحساره من ميادين الأخلاق والقيم والعقيدة أدى إلى ضعف انتماء الخريج الحديث لتاريخه وحضارته. وصار يبحث عن " مثل أعلى " من خارج أصوله وثقافته. ولقد فتح هذا البحث الباب لنماذج عديدة من " المثل السوء " التي كانت تشيع في عقود مختلفة في الساحة الأوروبية من أمثال القومية ، والوطنية، والشيوعية، وغيرها.

والنتيجة الثالثة : إن حصر " العمل الصالح " في القدرات والمهارات المادية أدى إلى العناية " بالأهداف التعليمية " وإهمال " الأهداف العامة " .

أو نقول أدى إلى العناية " بالوسائل " وإهمال " الغايات " . وبذلك صارت الوسائل بدون غايات ، إلا ما تمليه الأهواء الموقوتة، والعصبيات المحلية، والإيديولوجيات الوافدة ، ونماذج القدرة المستوردة.

ب- اضطراب مفهوم " المثل الأعلى "

لا يوجد للمؤسسات التربوية الحديثة في الأقطار العربية والإسلامية مصدر محدد للمثل الأعلى. ومعنى المصدر المحدد إنها- ما عدا قطر واحد أو قطريين – [ ص: 148 ] ليس لها التزام واضح واع بالعقيدة الإسلامية, ولا بحرية فكرية عميقة التصور للحياة المعاصرة، وإنما هـي تقلد في هـذا المجال طبقا لاماكن دراسة العاملين فيها, أو طبقا للتيار العام الذي تزجيه- في فترات مختلفة- الأنظمة السياسية والمؤسسات الإعلامية على المستوى المحلي والعالمي. في فترة ما, بشرت بـ " القومية " و " الوطنية " , وفي فترة أخرى بشرت بـ " التقدمية " و " الاشتراكية " مع خليط من " مثل " الجاهلية العربية القديمة، ومثل " الإقليمية " و " إشباع رغبات الفرد " وغير ذلك.

وساعد على هـذا الاضطراب المذكور أن المؤثرات الاجتماعية والثقافية في البيئة الحاضرة تؤثر نفس التأثير الذي ذكرناه عن المؤسسات الإسلامية التقليدية، كما أن الأساليب القائمة على الإلقاء والإلزام, هـي نفس الأساليب التي اشرنا إليها كذلك, والتي تحول دون حرية الفكر وتعدد الخبرات.

لذلك يكون نمط الشخصية التي تخرجها هـذه المؤسسات هـي مزيج من " الشخصية البوهيمية " و " الشخصية المقولبة " التي تعاني من العجز وفقدان الهوية.

ويقوم إلى جانب النظم والمؤسسات التربوية التقليدية والحديثة، مؤسسات وجماعات وفئات تمارس أدوارا من التربية الموازنة، كالسينما, والتلفزيون، والصحافة، والأحزاب، والجمعيات، والمساجد, والزوايا الصوفية، والأسر، والعائلات العشائرية. وهي تعاني من نفس المشكلات التي مر ذكرها, وتزيد في الارتجالية والعشوائية والابائية ، والتربية فيها تقدم نماذج مفككة غير مترابطة, مختلفة غير متجانسة.

ولقد أفرز هـذا الوضع التربوي المختلط اختلاطا في اتجاهات الأجيال، وافرز مضاعفات الانقسام والاضطراب, الذي يميز الحياة المعاصرة في الأقطار العربية والإسلامية. [ ص: 149 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية