المبحث السادس: العادات والحياة اليومية
الإنسان مدني بطبعه، ينزع بفطرته إلى العيش ضمن جماعة يتفاعل معها، فينشأ عن ذلك ألوان من المواقف الاجتماعية.
ولما كان التشريع الإسلامي شاملا مستوعبا لشئون الحياة كلها، فقد حوى طائفة من التشريعات في هـذا المجال، ليكيف المسلم حركته بها، ويضبط سلوكه وفقها. [ ص: 145 ]
والمسلم يتعامل مع غيره وفق عقيدته، وقيمه، وتصوراته المستمدة من دينه. وأن ما يحمله، أو يجب أن يكون عليه من قيم عالية، وأخلاق سامية، وفكر إصلاحي، هـو المنبه لسلوك الآخرين وتصوراتهم، والذي قد يتبعه تأثير في مواقفهم، أو صدور استجابة منهم، ولا سيما أنه يعيش في مجتمعات لا تستمد تشريعاتها من وحي السماء المعصوم، بل من اجتهادات البشر التي لا تنفك عن التناقض والاضطراب وسطحية النظر.
ونحن في هـذا المبحث المهم قد اقتصرنا على أهم مسائله، وعليه فقد جاء على شكل فروع وتساؤلات.
الفرع الأول : حكم صلة المشركين
الأصل في ذلك قوله تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) (الممتحنة : 8) .
ذهب أكثر أهل التأويل إلى أن الآية محكمة غير منسوخة، وقالوا في تفسيرها ما يلي :
ففي الطبري : وأولى الأقوال بالصواب قول من قال : عنى بذلك جميع أصناف الملل والأديان، أن تبروهم وتقسطوا إليهم، أن الله عم [ ص: 146 ] بقوله من كان ذلك صفته، فلم يخص به بعضا دون بعض، ولا معنى لقول من قال ذلك منسوخ. [1] وفـي القرطبـي: هـذه الآية رخصـة من الله تعالى في صلـة الذين لم يعادوا المؤمنين، ولم يقاتلوهم، أن يبروهم ويقسطوا إليهم، أي يعطونهم قسطا من أموالهم على وجه الصلة [2] وفي ابـن كثيـر: (لا ينهاكـم عـن الإحسـان إلى الكفـرة الذين لا يقاتلونكم في الدين، وتحسنوا إليهم) [3] يؤخذ من مجموع ما قيل في تفسير الآية، أن صلة الكافر وبره والإحسان إليه جائز، شرط أن يكون مسالما غير محارب، وصلة غير المسلم والإحسان إليه من مكارم الأخلاق، ( وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. ) [4] ، (فعرفنا أن ذلك حسن في حق المسلمين والمشركين جميعا) [5] وتتأكد هـذه الصلة إذا كانت لرحم، فقد جاء في صحيح البخاري، أن ( النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأسماء بنت أبي بكر أن تصل أمها وهي مشركة. ) [6] [ ص: 147 ]