الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

نحن والحضارة والشهود [الجزء الأول]

الدكتور / نعمان عبد الرزاق السامرائي

حركة التحضر ومساراتها

التحضر مستمر، والتاريخ يتحرك، ولكن في أي اتجاه؟

هناك خمس مدارس تتوزع الموضوع:

أ- التقدم الصاعد.

ب- التأخر والنكوص.

جـ- دورات الحضارة

د- عدم التزام خط واحد.

هـ - الانقطاع التاريخي.

وسأحاول بحث كل اتجاه، بالحدود التي تسمح بها طبيعة البحث.

أولا: التقدم الصاعد

لعل أقدم من آمن بذلك بعض فلاسفة اليونان، ثم جاء بعدهم كل من بيكون وديكارت ، فتبنوها. [ ص: 151 ]

وقد راجت الفكرة في أواخر القرن (17) ، حيث قام جدل كبير بين أنصار القديم والحديث، فراح أنصار (الحديث ) دفاعا عن موقفهم يرددون: أن أنصار القديم يقعون في وهم حين يقولون بأن من سبقهم كانوا أرجح عقلا، بينما الإنسان كلما كبر ازداد حكمة ونضجا وأصالة، وكذلك الإنسانية، فهي تسير دوما نحو (التقدم ) ، وإذا كان للقديم فضل السبق، فإن اللاحق له فضل الكمال.

ابتدأت الفكرة (بالأدب ) ، إلا أنها ما لبثت أن تحولت إلى السياسة، وعلم الاجتماع، والفنون والفلسفة والتاريخ.

هذا التوجه هـو الذي مهد وروج لفكرة (التطور ) ، والتي آمن بها (هيغل ) ، وعنه أخذها ( ماركس وأنجلز ) .

وقد منحت التطورات العلمية دفعة قوية لهذا التوجه، فقد استقر في النفوس أن (العلم ) سيحل جميع المشاكل، حتى لا يبقى في الحياة سر، ونادى البعض أن كل مشكلة لها في العلم حل، وإلا فهي مشكلة زائفة وميتافيزيقية.

وقد واجهت الفكرة الكثير من النقد والتجريح، بعضه يتعلق بالمنهج، والآخر يتعلق بالقيم، التي صدر عنها المؤمنون بها.

كذلك يلاحظ أنهم نقدوا مثلا (العصور الوسطى ) وفق معايير حديثة معاصرة، ابتدأوا حملتهم أولا على رجال الكنيسة، لكن سرعان ما تجاوزوا ذلك للهجوم على الدين نفسه، نافين أن يكون له [ ص: 152 ] دور في الحضارة، تكوينا وتقدما.

المهم أن البداية كانت من (الأدب ) ، لتنتقل منه إلى سائر العلوم والمعارف، كما بدأت بنقد رجال الكنيسة، لتنتهي بالدين ذاته.

والإنسان يتمنى من كل قلبه أن تكون حركة التحضر تسير قدما، ولكن الحضارة ليست جسما عضويا، إما أن يتقدم كله، أو يتأخر كله، فهي خليط من معارف وعقائد وتشريعات وآداب وفنون، ومنشآت مادية، يجمعها وعاء زماني مكاني، لذا ليس شرطا أن تسير بخط واحد، فقد تتقدم الآداب مثلا دون التشريع، وقد تتقدم بعض العلوم دون بعض، فالقول بأن حركة الحضارة تسير وفق خط واحد، وباتجاه واحد، يصعب قبوله، لأن الشواهد لا تساعد على ذلك. والحياة والكون ما يزالان مملوءان بالأسرار، والعلم لم يكشف الكثير من أسرارها، والحماس للعلم قد خف، ولم يكن كالقرون التي مضت، وقد صار العلماء أكثر تواضعا، وأقل ادعاء.

التالي السابق


الخدمات العلمية