الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( أو احتقن ) في دبره فسد صومه ; لأنه يصل إلى الجوف ; ولأن غير المعتاد كالمعتاد في الواصل ولأنه أبلغ وأولى من الاستعاط ( أو داوى الجائفة أو جرحا بما يصل إلى جوفه ) ; لأنه أوصل إلى جوفه شيئا باختياره أشبه ما لو أكل ( أو اكتحل بكحل أو صبر أو قطور أو ذرور أو إثمد ولو غير مطيب يتحقق معه وصوله إلى حلقه ) نص عليه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم { أمر بالإثمد المروح عند النوم ، وقال : ليتقه الصائم } رواه أبو داود والبخاري في تاريخه من حديث عبد الرحمن بن النعمان بن سعيد بن هوذة عن أبيه عن جده قال ابن معين : حديث منكر وعبد الرحمن ضعيف ، وقال أبو حاتم : صدوق ووثقه ابن حبان ; ولأن العين منفذ لكنه غير معتاد وكالواصل من الأنف .

                                                                                                                      ( وإلا ) أي : وإن لم يتحقق وصوله إلى حلقه ( فلا ) فطر لعدم تحقق ما ينافي الصوم ( أو استقاء ) أي : استدعى القيء ( فقاء طعاما أو مرارا أو بلغما أو دما أو غيره ولو قل ) لحديث أبي هريرة المرفوع { : من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ، ومن استقاء عمدا فليقض } رواه الخمسة ، وقال الترمذي : حسن غريب ورواه الدارقطني وقال : إسناده كلهم ثقات ( أو أدخل إلى جوفه أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه وباطن فرجها ، وتقدم في ) باب ( الاستطابة إذا أدخلت أصبعها ونحو ذلك ) أي : نحو الدماغ والحلق وباطن فرجها كالدبر ( مما ينفذ إلى معدته شيئا من أي موضع كان ولو خيطا ابتلعه كله أو ) ابتلع ( بعضه أو رأس سكين من فعله أو فعل غيره بإذنه ) فغاب في جوفه فسد صومه ، ويعتبر العلم بالواصل .

                                                                                                                      وجزم في منتهى الغاية : بأنه يكفي الظن واختار الشيخ تقي الدين : لا يفطر بمداواة جائفة ومأمومة ولا بحقنة ( أو داوى المأمومة ) فوصل إلى دماغه ( أو قطر في أذنه مما يصل إلى دماغه ) ; لأن الدماغ أحد الجوفين فالواصل إليه يغذيه فأفسد الصوم كالآخر ( أو استمنى ) أي : [ ص: 319 ] استدعى المني ( فأمنى أو أمذى ) ; لأنه إذا فسد بالقبلة المقترنة بالإنزال فلأن يفسد به بطريق أولى فإن لم ينزل فقد أتى محرما ولم يفسد صومه ، وإن أنزل لغير شهوة فلا كالبول ( أو قبل أو لمس أو باشر دون الفرج فأمنى أو أمذى ) لما روى أبو داود { عن عمر أنه قال : هششت فقبلت وأنا صائم فقلت : يا رسول الله إني فعلت أمرا عظيما قبلت وأنا صائم ، قال : أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم قلت لا بأس به قال فمه } فشبه القبلة بالمضمضة من حيث إنها من مقدمات الفطر فإن القبلة إذا كان معها نزول أفطر وإلا فلا ذكره في المغني والشرح وفيه نظر ; لأن غايته : أنها قد تكون وسيلة وذريعة إلى الجماع وعلم منه أنه لا فطر بدون الإنزال لقول عائشة { كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم وكان أملككم لإربه } رواه البخاري وروي بتحريك الراء وسكونها ومعناه حاجة النفس ووطرها وقيل : بالتسكين العضو وبالتحريك الحاجة ( أو كرر النظر فأمنى ) ; لأنه إنزال بفعل يلتذ به ويمكن التحرز منه أشبه الإنزال باللمس ( ولا ) يفطر ( إن أمذى ) بتكرار النظر ; لأنه لا نص فيه .

                                                                                                                      والقياس على إنزال المني لا يصح لمخالفته إياه في الأحكام ( أو لم يكرر النظر فأمنى ) أي : لا فطر لعدم إمكان التحرز من النظرة الأولى ، وعلم منه أنه لو كرر النظر فلم ينزل فلا فطر قال في الشرح والمبدع : بغير خلاف ( أو حجم أو احتجم ) في القفا أو الساق نص عليه .

                                                                                                                      ( وظهر دم ) نص عليه لقوله صلى الله عليه وسلم { : أفطر الحاجم والمحجوم } رواه أحمد والترمذي من حديث رافع بن خديج ورواه أحمد أيضا من حديث ثوبان وشداد بن أوس وعائشة وأسامة بن زيد وأبي هريرة ومعقل بن سنان وهو لأبي داود من حديث ثوبان ولابن ماجه من حديث شداد وأبي هريرة وهذا يزيد على رتبة المستفيض قال ابن خزيمة : ثبتت الأخبار عنه صلى الله عليه وسلم بذلك وقال أحمد فيه غير حديث ثابت وأصحها : حديث رافع قال ابن المديني : أصح شيء في هذا الباب حديث ثوبان وشداد وصححهما أحمد والبخاري وهو قول علي وابن عباس وأبي هريرة وعائشة ، ورخص فيها أبو سعيد الخدري وابن مسعود وقاله أكثر العلماء لما روى ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم } رواه البخاري .

                                                                                                                      وجوابه : أن أحمد ضعفه في رواية الأثرم ; لأن الأنصاري ذهبت كتبه في فتنة فكان يحدث [ ص: 320 ] من كتب غلامه أبي حكيم ، ثم لو صح فهو منسوخ بدليل أن ابن عباس وهو راويه كان يعد الحجام والمحاجم قبل مغيب الشمس فإذا غابت احتجم كذلك رواه الجوزجاني ويحتمل أن يكون لعذر لما روى أبو بكر بإسناده عن ابن عباس قال : { احتجم النبي صلى الله عليه وسلم من شيء كان وجده } وأحاديثنا أكثر واعتضدت بعمل الصحابة وهي قول وحديثهم فعل ، والقول مقدم لعدم عموم الفعل واحتمال أنه خاص به ونسخ حديثهم أولى ; لأنه موافق لحكم الأصل فنسخه يلزم منه مخالفة الأصل مرة واحدة بخلاف نسخ حديثنا ; لأنه يلزم مخالفة الأصل مرتين فإن لم يظهر دم فلا فطر .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية