فصل الشرط الخامس لوجوب الحج والعمرة دون إجزائها ( الاستطاعة ) .
لقوله تعالى { : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ف ( من ) " بدل من الناس " فتقديره : ولله على المستطيع ولانتفاء تكليف ما لا يطاق شرعا وعقلا ( وهي ) أي : أو ) يملك ( ما يقدر به على تحصيل ذلك ) أي : الزاد والراحلة : من نقد أو عرض لما روي عن الاستطاعة ( أن [ ص: 387 ] يملك زادا وراحلة لذهابه وعوده قال { ابن عمر } رواه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما يوجب الحج ؟ قال : الزاد والراحلة الترمذي .
وقال : العمل عليه عند أهل العلم وعن { أنس } وكذا رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن السبيل فقال : الزاد والراحلة جابر وابن عمر وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم رواه وعائشة ; ولأنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة فكان ذلك شرطا لها كالجهاد ( فيعتبر الزاد مع قرب المسافة وبعدها إن احتاج إليه ) ; لأنه لا بد منه فإن لم يحتج إليه لم يعتبر قال في الفنون : الحج بدني محض الدارقطني ; لأن الشرط لا يحصل المشروط دونه ، وهو المصحح للمشروط ، ومعلوم أن المكي يلزمه ولا مال له ( فإن وجده ) أي : الزاد ( في المنازل لم يلزمه حمله ) من بلده عملا بالعادة ( إن وجده ) أي : الزاد ( يباع بثمن مثله في الغلاء والرخص أو بزيادة يسيرة ) كما الوضوء ( وإلا ) بأن لم يجد بالمنازل أو وجده بزيادة كثيرة على ثمن مثله ( لزمه حمله ) معه من بلده ( والزاد : ما يحتاج إليه من مأكول ومشروب وكسوة ) . ولا يجوز أن يدعى أن المال شرط في وجوبه
وظاهر كلامه : لا يعتبر أن يكون صالحا لمثله قال في الإنصاف : وهو صحيح قال في الفروع : ويتوجه احتمال أنه كالراحلة ا هـ وجزم به في الوجيز فقال : ووجد زادا وراحلة صالحين لمثله قال في الفروع : والمراد بالزاد : أن لا يحصل معه ضرر لرداءته ( ليؤثر محتاجا ورفيقا وأن تطيب نفسه بما ينفقه ) ; لأنه أعظم في أجره قال تعالى { وينبغي أن يكثر من الزاد والنفقة عند إمكانه : وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } ( وأمثاله ) ; لأنه ربما أفضى إلى النزاع أو أكل أكثر من رفيقه ، وقد لا يرضى به ( واجتماع الرفاق كل يوم على طعام أحدهم على المناوبة أليق بالورع من المشاركة ) في الزاد ، ( ويشترط أيضا القدرة على وعاء الزاد ) ; لأنه لا بد منه ( ويستحب أن لا يشارك غيره في الزاد فقط ولو قدر على المشي ) لعموم ما سبق . وتعتبر الراحلة مع بعد المسافة
( وهو ) أي : بعد المسافة ( ما تقصر فيه الصلاة ) أي : مسيرة يومين معتدلين ، و ( لا ) تعتبر الراحلة ( فيما دونها ) أي : دون المسافة التي تقصر فيها الصلاة ( من مكي وغيره ) بينه وبين مكة دون المسافة ( ويلزمه المشي ) للقدرة على المشي فيها [ ص: 388 ] غالبا ; ولأن مشقتها يسيرة ولا يخشى فيها عطب على تقدير الانقطاع بها بخلاف البعيد ; ولهذا خص الله تعالى المكان البعيد بالذكر في قوله { : وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق } ، ( إلا مع عجز لكبر ونحوه ) كمرض فتعتبر الراحلة حتى فيما دون المسافة للحاجة إليها إذن ، ( ولا يلزمه الحبو ) أي ( وإن أمكنه ) لمزيد مشقة . السير إلى الحج حبوا
( و ) يعتبر ( ما يحتاج إليه من آلتها ) أي : الراحلة حيث اعتبرت إذ لا بد للراحلة من آلة فتعتبر القدرة عليهما ( بكراء أو شراء ) حال كون ذلك ( صالحا لمثله عادة لاختلاف أحوال الناس ) في ذلك ، ( فإن كان ممن يكفيه الرحل والقتب ولا يخشى السقوط ) بركوبه كذلك ( اكتفى بذلك ) أي : بالرحل والقتب عن المحمل ، ( فإن كان ممن لم تجر عادته بذلك أو يخشى السقوط عنها ) أي : عن الراحلة إن اكتفى بالرحل والقتب ( اعتبر وجود محمل ) صالح له .
( وما أشبهه مما لا يخشى سقوطه عنه ولا مشقة فيه ) عليه دفعا للحرج والمشقة لقوله تعالى { : وما جعل عليكم في الدين من حرج } ( لئلا يتضرر به بعد ذلك ) ، وإن لم يقدر على خدمة نفسه والقيام بأمره اعتبر من يخدمه ( قاله حرج وينبغي أن يكون المركوب جيدا ) ، قال في الفروع : وظاهره لو أمكنه لزمه عملا بظاهر النص وكلام غيره يقتضي أنه كالراحلة لعدم الفرق . الموفق
قال في الفروع : وكذا دابته إن كانت ملكه إذا لم يقدر على خدمتها والقيام بأمرها اعتبر من يخدمها ; ( لأنه من سبيله ) فاعتبرت قدرته عليه ، ( فإن أجزأه ; لأن خلقا من الصحابة حجوا ولا شيء لهم ولم يؤمر أحد منهم بالإعادة ولأن الاستطاعة إنما شرعت للوصول فإذا وصل وفعل أجزأه كالمريض . تكلف الحج من لا يلزمه ) وحج
( و ) من مثل من يكتسب بصناعة ) في سفره ( كالخراز أو مقارنة من ينفق عليه أو يكتري لزاده ) وله قوة على المشي . لم يستطع و ( أمكنه ذلك من غير ضرر يلحق بغيره
( ولا يسأل الناس استحب له الحج ) خروجا من الخلاف ( ولم يجب عليه ) ; لأنه ليس بمستطيع لما تقدم من أن الاستطاعة : ملك الزاد والراحلة ، ويكره قال ) الإمام ( الحج ( لمن حرفته المسألة فيمن يدخل البادية بلا زاد ولا راحلة لا أحب له ذلك يتوكل على أزواد الناس ) . أحمد
قلت فإن توكل على الله وحسن [ ص: 389 ] ذلك منه ولم يسأل الناس فلا كراهة ، ( ويعتبر كونه ) أي : ما تقدم من الزاد والراحلة وآلتهما أو ما يقدر به على تحصيل ذلك ( فاضلا عما يحتاج إليه من كتب ) ; لأنها في معنى المسكن ونحوه .
( ومسكن للسكنى ) ; لأنه من حاجته الأصلية ; لأن المفلس يقدم به على غرمائه فههنا أولى ( أو ) مسكن ( يحتاج إلى أجرته لنفقته أو نفقة عياله ) لتأكد حقهم لقوله صلى الله عليه وسلم { } رواه كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول أبو داود ، أو أي ويعتبر أيضا لو صرف فيه شيئا منها لما فيه من الضرر عليه أن يكون ذلك فاضلا عن ( بضاعة يختل ربحها المحتاج إليه ) ; لأنه من الحوائج الأصلية بدليل أن المفلس يقدم به على غرمائه . عليه ( و ) يعتبر أيضا : أن يكون فاضلا عن خادم
( و ) يعتبر أيضا : حالا كان ) الدين ( أو مؤجلا لله أو لآدمي ) ; لأن ذمته مشغولة به وهو محتاج إلى براءتها . أن يكون فاضلا ( عن قضاء دينه
( و ) يعتبر أيضا : كمؤنته ومؤنة عياله الذين تلزمه مؤنتهم ; لأن ذلك مقدم على الدين فلأن يقدم على الحج بطريق الأولى ، ( لكن إن فضل منه عن حاجته ) وأمكن بيعه وشراؤه ما يكفيه ( بأن كان المسكن واسعا أو الخادم نفيسا فوق ما يصلح له وأمكن بيعه وشراء قدر الكفاية منه ) ، ويفضل ما يحج به لزمه ( ذلك ) ، وكذا إن استغنى بإحدى نسختي كتاب باع الأخرى أن يكون فاضلا عما ( لا بد له ) منه نصا ) وقوله ( ومن احتاج إليه ) أي : ويقدم النكاح مع عدم الوسع من احتاج إليه لم أره لغيره ، بل قال في المستوعب : وإن كان لا يخاف العنت فلا اعتبار بهذه الحاجة قولا واحدا ا هـ . ( ويقدم النكاح مع عدم الوسع ) للنكاح والحج ( من خاف العنت
لأنه لا تعارض بين واجب ومسنون ( ويعتبر ) في الاستطاعة ( أن يكون له إذا رجع ) من حجه ( وما يقوم بكفايته وكفاية عياله على الدوام ) لتضرره بذلك كالمفلس ( ولم يعتبر ما بعد رجوعه عليها ) يعني ولم يعتبر على رواية ما يكفيه بعد رجوعه فيعتبر إذن جزم به في الكافي والروضة وقدمه في الرعاية قال في المبدع : فيتوجه أن المفلس ومثله أولى ( من أجور عقار أو ربح بضاعة أو ) من ( صناعة ونحوها ) كثمار وعطاء من ديوان ، ( ولا يصير العاجز ) عن ذلك ( مستطيعا ببذل غيره له مالا أو مركوبا ولو ) كان الباذل ولدا أو والدا لما فيه من المنة كبذل الرقبة في الكفارة . أن يكون له ما يقوم بكفايته وكفاية عياله إلى أن يعود