الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      فصل ( ثم يغسل رجليه ) للآية الكريمة ( ثلاثا ) لحديث عثمان وغيره ( إلى الكعبين ) أي : كل رجل تغسل إلى الكعبين ولو أراد كعاب جميع الأرجل لذكره بلفظ الجمع كقوله { وأيديكم إلى المرافق } ; لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي توزيع الأفراد على الأفراد ، كقوله : ركب القوم دوابهم ونحوه ( وهما ) أي : الكعبان ( العظمات الناتئان في جانبي رجله ) قاله أبو عبيدة .

                                                                                                                      ويدل عليه حديث { النعمان بن بشير قال كان أحدنا يلصق كعبه بكعب صاحبه في الصلاة } رواه أحمد وأبو داود ولو كان مشط القدم لم يستقم ( ويجب إدخالهما في الغسل ) لما سبق ، ولقوله صلى الله عليه وسلم { ويل للأعقاب من النار } متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر ( وإن كان أقطع وجب غسل ما بقي من محل الفرض ) لقوله صلى الله عليه وسلم { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } متفق عليه ، وسواء كان ( أصلا ) بأن قطعت يده من دون المرفق ، أو رجله من دون الكعب ( أو تبعا كرأس عضد ) يد قطعت عن مفصل المرفق .

                                                                                                                      ( و ) رأس ( ساق ) قطعت من مفصل كعب ( وكذا يتيمم ) إذا قطعت يده ، وجب مسح ما بقي من محل الفرض أصلا أو تبعا ( فإن لم يبق شيء ) من محل الفرض بأن قطعت اليد من فوق المرفق أو الرجل من فوق الكعب ( سقط ) ذلك الفرض لفوات محله ( لكن يستحب أن يمسح محل القطع بالماء ) لئلا يخلو العضو عن طهارة [ ص: 102 ]

                                                                                                                      وظاهره : أنه لو قطعت اليد من فوق الكوع لم يستحب مسح محل القطع بالتراب ( وإذا وجد الأقطع ونحوه ) كالأشل والمريض الذي لا يقدر أن يوضئ نفسه ( من يوضئه ) أو يغسله ( بأجرة المثل وقدر عليها من غير إضرار ) بنفسه أو من تلزمه نفقته ( لزمه ذلك ) ; لأنه في معنى الصحيح .

                                                                                                                      ( وإن وجد من ييممه ولم يجد من يوضئه لزمه ذلك ) كالصحيح يقدر على التيمم دون الوضوء ( فإن لم يجد ) من يوضئه ولا من ييممه ، بأن عجز عن الأجرة أو لم يقدر على من يستأجره ( صلى على حسب حاله ) قال في المغني : لا أعلم فيه خلافا وكذا إن لم يجده إلا بزيادة عن أجرة مثله إلا أن تكون يسيرة على ما يأتي في التيمم ( ولا إعادة عليه ) كفاقد لطهورين ( واستنجاء مثله ) أي : مثل الوضوء ، فكما تقدم .

                                                                                                                      ( وإن تبرع أحد بتطهيره لزمه ذلك ) قال في الفروع : ويتوجه لا ويتيمم ( ويسن تخليل أصابع يديه وتخليل أصابع رجليه ) لما روى لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { وخلل بين الأصابع } رواه الخمسة وصححه الترمذي وهو في حال الرجلين آكد ، ذكره في الشرح ويخلل أصابع رجليه ( بخنصره ) لخبر المستورد رواه أحمد وغيره لكنه ضعيف اليسرى ; لأنها معدة لإزالة الوسخ والدرن من باطن رجليه ; لأنه أبلغ .

                                                                                                                      ذكره في المبدع وغيره ( فيبدأ بخنصر يمنى ) إلى إبهامها ( ويسرى بالعكس ) يبدأ من إبهامها إلى خنصرها ( للتيامن ) أي : ليحصل التيامن في تخليل الأصابع ويخلل أصابع يديه إحداهما بالأخرى فإن كانت أو بعضها ملتصقة سقط ( و ) يسن ( الغسل ثلاثا ثلاثا ) لما تقدم في موضعه ( ويجوز الاقتصار على ) الغسلة ( الواحدة ، و ) الغسلتان ( الثنتان أفضل ) من الواحدة .

                                                                                                                      ( والثلاث أفضل ) من الثنتين ، ومن الواحدة بطريق الأولى ; لأنه صلى الله عليه وسلم { دعا بماء فتوضأ مرة مرة وقال هذا وظيفة الوضوء - أو قال هذا وضوء من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة ، ثم توضأ مرتين مرتين ، وقال هذا وضوء من توضأه كان له كفلان من الأجر وتوضأ ثلاثا ثلاثا ، وقال هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي } رواه ابن ماجه .

                                                                                                                      وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أنه لما سئل عن الوضوء ، فأراه ثلاثا ثلاثا - فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وتعدى وظلم } رواه أبو داود وتكلم مسلم على قوله أو نقص وأوله البيهقي على نقصان العضو واستحسنه الذهبي .

                                                                                                                      ( وإن غسل بعض أعضائه أكثر من بعض ) بأن غسل عضوا مرة أو مرتين وآخر ثلاثا ( لم يكره ) كما لو غسل الكل متساويا [ ص: 103 ] ( ويعمل في عددها ) أي : الغسلات ( إذا شك ) فيه ( بالأقل ) كركعات الصلاة ، إذ الأصل عدم الإتيان بالمشكوك فيه ( وتكره الزيادة عليها ) أي : على الثلاث لحديث عمرو المتقدم .

                                                                                                                      ( و ) يكره ( الإسراف في الماء ) ولو على نهر جار لما يأتي في الغسل ( ويسن مجاوزة موضع الفرض ) بالغسل ، لما روى نعيم المجمر أنه رأى أبا هريرة يتوضأ ، فغسل وجهه ويده ، حتى كاد يبلغ المنكبين ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين ، ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل } متفق عليه ولمسلم عنه سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول { تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء } .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية