القسم الثاني: تصنيف نصوص الدعاء النبوي
إن أعباء الدعوة والدولة والمجتمع والأسرة أو أي شيء آخر مهما كان لم يكن يشغل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي الله عز وجل , ومناجاته, والتذلل له سبحانه في كل لحظة من لحظات حياته, فقد كان في اتصال دائم بالله, يؤكد عبوديته له سبحانه في كل عمل من أعماله وفي كل خطوة يخطوها, حياته سلسلة متواصلة من الذكر والدعاء والعمل. وكان الدعاء يصاحبه صلى الله عليه وسلم في كل عمل, دعاء في دعاء في دعاء, قطرات من نهر رقراق يجري في كل منحى من مناحي حياته, وما زال يجري رقراقا صافيا يدعونا للتعطر بمائه,
يقول تعالى: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) (الأحزاب:21) .
وإذا كانت الإحاطة بكل نصوص دعائه صلى الله عليه وسلم غير متاحة لي في هـذا البحث المتواضع, فحسبي ألا أحرم من فضل إيراد نماذج منه, تكون بذرة بإذن الله لبحوث تنصب على جمع الدعاء الصحيح وتصنيفه ودراسته, بالإضافة إلى المصنفات السابقة في هـذا المجال.
وبالنظر إلى المعاني العامة لأدعيته صلى الله عليه وسلم يمكن تصنيفها إلى خمسة محاور: دعاء الحمد, ودعاء الرحمة وللاستغفار, ودعاء الاستعاذة, ودعاء التسليم, ودعاء المسألة, مع تداخل وتزاوج في هـذه المعاني. [ ص: 98 ]
المحور الأول: دعاء الحمد
الحمد هـو الثناء، ومن معانيه المدح وهو أعم من الحمد، والشكر وهو أخص من الحمد. وأول كلمة نتلوها في القرآن الكريم بعد البسملة ( الحمد ) بألف ولام الاستغراق للجنس، للتعبير عن اختصاص الله بالثناء والحمد وإثباته، فهو المحمود على كل ما هـو في عالم الوجود والغيب، ولهذا يسبح بحمده كل ذرة في الكون، يقول تعالى: ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ... ) (الإسراء:44) .
وكان صلى الله عليه وسلم يحث المؤمن على حمد الله والثناء عليه في كل عمل يقوم به, ( يقول مثلا: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد بما شاء ) [1] ، ويقول صلى الله عليه وسلم : ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؛ في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسـي، ولم يأت أحـد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر منه ) [2] .
ومن ذلك أيضا ما روى الترمـذي في جامعه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقيت إبراهيم ليلة [ ص: 99 ] أسري بي فقال: يا محمد ، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ) [3] .
من هـنا كان الحمـد من أغزر الدلالات في دعائه، حيث يكاد لا يخلو دعاء من دعائه من حمد الله وشكره والثناء عليه, ثم يدعو بعد ذلك بما يريد. وفي هـذا المحور نماذج من الأدعية التي يغلب عليها معاني الحمد، من ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل: ( اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت ) [4] . فهنا مثلا رغم المزاوجة بين معاني عدة، إلا أن الطابع العام الذي يغلب عليه هـو حمد الله وشكره والاستسلام له.
( ويدعو صلى الله عليه وسلم عند قيامه من الركوع بقوله: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ) [5] . [ ص: 100 ] ( وعنه صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدى شكر يومه، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته ) [6] .
( ويقول صلى الله عليه وسلم في نموذج آخر: «الحمد لله الذي كفاني وآواني وأطعمني وسقاني، والذي من علي فأفضل، والذي أعطاني فأجزل، الحمد لله على كل حال، اللهم رب كل شيء ومليكه وإله كل شيء أعوذ بك من النار ) [7] .
( ومن دعائه صلى الله عليه وسلم في عرفة : «اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرا مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي، وإليك مآبي، ولك رب تراثي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح ) [8] .
( كما كان يقول عند الكرب : «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم ) [9] . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه ( قال: من رأى [ ص: 101 ] مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، لم يصبه ذلك البلاء ) [10] .
( وقال صلى الله عليه وسلم : ... ومن لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كساني هـذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ) [11] .
( وكان صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه يقول: اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر ) [12] . ( وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ) [13] .
ومعاني الحمد التي يكاد يفتتح بها صلى الله عليه وسلم كل عمل يقوم به, وخاصة الدعاء, إذا داوم عليها المؤمن وجعلها مفتاحا لكل عمل، فإن ذلك يسلمه إلى السلام والطمأنينة والرضا، وينعكس كل هـذا على سلوكه وعلاقاته وكل أعماله, فيأتي عطاؤه مباركا وقيما في حجم بركة الدعاء وقيمته. [ ص: 102 ]
المحور الثاني: دعاء الرحمة وللاستغفار
يقول تعالى: ( ... استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) (نوح:10-12) .
( وعن أبي هـريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ) [14] . وهذا الحديث يغني عن أي قـول في قيمة استمطـاره صلى الله عليه وسلم الرحمة منه تعالى وفي استغفاره له عز وجل , وهو المغفور له ابتداء, وفي نسج كل دعاء بمعاني طلب الرحمة والمغفرة.. وفيما يأتي نماذج من الأدعية التي تغلب عليها هـذه المعاني:
( يقول رسـول الله صلى الله عليه وسلم : «سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) [15] . [ ص: 103 ] يقول الشيخ القرضاوي معلقا على هـذا الحديث في كتابه «المنتقى»: «إنما كان سيد الاستغفار؛ لأنه يتضمن جملة من المعاني الربانية العميقة: تضمن توحيد الربوبية «اللهم أنت ربي» وتوحيد الإلهية «لا إله إلا أنت»، والإقرار بالخالقية والعبودية «خلقتني وأنا عبدك», والمبايعة لله على الوفاء «وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت», والبراءة من المعصية والاستعاذة بالله منها «أعوذ بك من شر ما صنعت», والإقرار لله بالنعمة, وعلى النفس بالذنب «أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي», وطلب المغفرة ممن لا غفار غيره «فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت», وما أحوج المسلم أن يودع بها مساءه, ويستقبل بها صباحه» .
ويقول صلى الله عليه وسلم في دعاء جامع: ( اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير ) [16] .
( وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ) [17] .
( وعن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول ليلة حين فرغ من صلاته: اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري، وتلم بها شعثي، وتصلح بها غائبي، [ ص: 104 ] وترفع بها شاهدي، وتزكي بهـا عملي، وتلهمني بها رشدي، وترد بها ألفتي، وتعصمني بها من كل سوء... ) [18] . ( وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: «أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال أراه قال فيهن: له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هـذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر ما في هـذه الليلة وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر.. وإذا أصبح قال ذلك أيضا: أصبحنا وأصبح الملك لله ) [19] .
( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد يقول: بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ) وإذا خرج قال: ( بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك ) [20] .
( ويقول فيما بين السجدتين: رب اغفر لي، وارحمني، واجبرني، وارفعني، وارزقني، واهدني ) [21] . [ ص: 105 ] ( ويوصي من يكثر لغطه بقوله صلى الله عليه وسلم : من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك ) [22] .
ونظرة على دلالات هـذه الأدعية وغيرها التي تدخل في مجال طلب الرحمة والمغفرة من الله عز وجل يجد أنها تحمل في أعماقها بذرات محفزة على متابعة المؤمن للطريق الموصلة إلى الله تعالى, ودافعة له على مداومة التوبة والوقوف مع نفسه مرات ومرات من أجل محاسبتها والاستغفار لها.
المحور الثالث: دعاء الاستعاذة
كان صلى الله عليه وسلم يستعين في كل أعماله بالله عز وجل ، ويستعيذ به من فساد هـذه الأعمال أو بطلانـها، كما كان يدعوه ليجـنبه كل شر مادي أو معنوي، وهذه نماذج من الأدعية التي كان يستعيذ بالله من خلالها:
( وعن أبي هـريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: «اللهم إني أعوذ بك من الشقاق، والنفاق، وسوء الأخلاق ) [23] . ( وعن عائشة ، رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم، ومن فتنة القبر وعذاب [ ص: 106 ] القبر، ومن فتنة النار وعذاب النار، ومن شر فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ) [24] .
( وكان إذا خرج من بيته يقول: اللهم أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي ) [25] .
ومن أدعيته صلى الله عليه وسلم عند النوم [26] : ( رب قني عذابك يوم تبعث عبادك ) [27] .
( وكان يقول عند دخوله الخلاء: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) [28] ، ( وإذا خرج يقول: غفرانك ) [29] . [ ص: 107 ] ( وكان صلى الله عليه وسلم يقـول حـين يدخـل السوق: «باسم الله، اللهم إني أسـألك من خـير هـذه السوق وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها، اللهم إني أعـوذ بك أن أصيب فيـها يمينا فـاجرة أو صفقة خاسرة ) [30] .
ومثل هـذه الأدعية تضفي على الداعي طمأنينة, وتجعله يمارس كل أعماله دون خشية من تعثر أو كبوات؛ لأنه يكون قد سلم ما يقوم به لله فيحفظه ويرعاه.
المحور الرابع: دعاء التسليم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم أمره كله لله, ويتوكل عليه في كل شيء، ويطلب منه تعالى أن يقبله عنده,
وصدق الله العظيم حين قال: ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) (الأنعام:162-163) .
وهذه نماذج من الأدعية التي يسلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه وكيانه لله ويدعو المسلم لذلك:
( يقول صلى الله عليه وسلم في ركوعه: «اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي ) [31] . [ ص: 108 ] ( ويقول في سجوده: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين ) [32] ؛ ( اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره ) [33] .
( وعنه صلى الله عليه وسلم قال طالبا من المؤمن رفع شهاداته لله, وإشهاد الوجود على ذلك, مسـلما بألوهيته سبحـانه وربوبيته: من قال حين يصبح أو يمسي: اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك، أعتق الله ربعه من النار، فمن قالها مرتين أعتق الله نصفه، ومن قالها ثلاثا أعتق الله ثلاثة أرباعه، فإن قالها أربعا أعتقه الله من النار ) [34] .
( وكان يقول عند نومه: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت ) [35] . [ ص: 109 ]
المحور الخامس: دعاء المسألة
لم يكن صلى الله عليه وسلم يستنكف من الإلحاح في سؤال الله عز وجل ، وطلب العون والمدد منه في جميع الأحوال وفي كل الأشياء, ومن نماذج ذلك هـذه الأدعية:
- ( يقول صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ) [36] .
- ( ويقول صلى الله عليه وسلم : من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هـذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة ) [37] .
- وعنه صلى الله عليه وسلم : ( اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضاء بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى [ ص: 110 ] لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هـداة مهتدين ) [38] . - ( وكان يقول: اللهم أحسنت خلقي فأحسن خلقي ) [39] .
- ( ويسأل الله الثبات، فيقول: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ) [40] .
( وعن عائشـة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضا أو أتي به قال : أذهب الباس رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما ) [41] .
( وعن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هـم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هـذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي [ ص: 111 ] فيه، وإن كنت تعلم أن هـذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني.. قال: ويسمي حاجته ) [42] . /
- ( وكان يقول في دعاء القنوت: «اللهم اهدني فيمن هـديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت ) [43] .
- ( وكان يقول خلف الصلاة : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) [44] .
- ( وكان صلى الله عليه وسلم يقول: « اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك ) [45] .
- وإذا خرج لسفر واستوى على بعيره كبر ثلاثا ودعا: ( سبحان الذي سخر لنا هـذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هـذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هـون [ ص: 112 ] علينا سفرنا هـذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل.. وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ) [46] . وهناك حوادث تجري خارج إرادة الإنسان وتكون ذات علاقة غير مباشرة معه، من مثل حدوث القحـط أو المجاعة أو الحريق أو انتشار آفة أو غير ذلك من الحوادث، التي لا تكون مرتبطة مباشرة بالفرد، إلا أنها تؤثر فيه سلبا بطريق غير مباشر، وكان للرسول صلى الله عليه وسلم أدعية يتوجه فيها إلى ربه في مثل هـذه الأمور والآفات, ملحا في السؤال لتجنيبه أضرار ذلك مثل قوله، عليه السلام : ( ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: (إنا لله وإنا إليه راجعون) ، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا منها ) [47] .
( وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما يحب ربنا ويرضى، ربنا وربك الله ) [48] . [ ص: 113 ] ( وفي دعاء يجمع بين هـذه الدلالات كلها قوله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب عن ابن عمر ، رضي الله عنهما : «اللهم إني أعوذ بنور قدسك، وعظمة طهارتك، وبركة جلالك، من كل آفة وعاهة، ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن، أنت غياثي فبك أغوث، وأنت ملاذي فبك ألوذ، وأنت عياذي فبك أعوذ، يا من ذلت له رقاب الجبابرة، وخضعت له أعناق الفراعنة، أعوذ بك من خزيك وكشف سترك ومن نسيان ذكرك والانصراف عن شكرك، أنا في حرزك ليلي ونهاري ونومي وقراري وظعني وأسفاري، ذكرك شعاري، وثناؤك دثاري، لا إله إلا أنت، تعظيما لوجهك وتكريما لسبحاتك، أجرني من خزيك ومن شر عبادك، واضرب علي سرادقات حفظك، وأدخلني في حفظ عنايتك، وعد لي بخير منك يا أرحم الراحمين، يا ذا الجلال والإكرام ) [49] .
هذه الأدعـية كلها، وغـيرها، تعبير عن مـدى حاجة الإنسان لله عز وجل ولعونه, ولا شك أن قراءتها في ساعات الليل البهيم أو ساعات النهار, تحمل معاني كثيرة، وتجعل القلب يطمئن بمعية الله تعالى ويأنس بقربه, كما أن المداومة عليها تعطي الداعي القوة, وتمنحه القدرة على الإنجاز والعطاء, وعلى التحمل. [ ص: 114 ]