الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
4- العمل

أثار كثير من الذين تعاملوا مع مفهوم الدعاء ودلالاته تعاملا منفصلا عن بقية مفاهيم الإسلام شكوكا حوله, باعتباره دعوة إلى فرض الدور السلبي على حياة الإنسان، وتجميد طاقاته، وشل نشاطاته, ووسيلة للاتكالية، وإشاعة روح الكسل والخمول في واقعه، وعدم ممارسته لدوره وواجبه، بالاعتماد الغيبي على الله. فالدعاء في رأي هـؤلاء انسحاب كامل [ ص: 62 ] لقوى الإنسان وجهوده في ميدان العمل والإبداع, وتعليق إنجاز المهام المنوطة به على الله تعالى, لينتهي بذلك دور الإنسان الحضاري, ويحكم على أمته بالجمود والفناء. وقد يبدو هـذا التصور صحيحا إذا فهم المسلم الدعاء مبتورا عن صورته الكلية, ومنبتا عن مجاله المعرفي وأبعاده الزمانية والمكانية, وإذا لم يلتفت إلى السنن الكونية في الخلق, ولم ينفعل بقوى الحركة والفعل في المجتمع، فتضيع بالتالي جهود البناء والإصلاح والتغيير. إلا أن الفهم الصحيح للإسلام بوحدة أفكاره وشمولية مفاهيمه، يعد ردا حاسما على مثل هـذه الشبهات.

إن الله تعالى حينما شرع الدعاء لم يكن في معناه تعطيل قوانين المسببات في الكون والخلق؛ لأنه ما من شيء يتحقق إلا ويحتاج الى سبب، وما من حادث يحدث إلا وله محرك. وتعطيل دور الإنسان مخالفة لحكمة الله وإرادته وعقيدة التوكل، وتعارض مع إجابة الدعاء، لذلك شرع العمل أيضا، وألزم الإنسان به, وبين سبحانه مسئوليته وواجبه المترتب عليه. وكما رفض الإسلام تعطيل الأسباب ودور الإنسان العملي في الحياة، رفض اللجوء إلى الأوهام والخرافات في معالجة المواقف، وتحصيل الأشياء التي يريد الحصول عليها؛ لأنها ليست من قوانين الطبيعة، ولا من أنظمة الوجود التي أودعها الله في هـذا العالم، وليس لها أي دور تأثيري في الواقع. [ ص: 63 ] وفي القرآن الكريم والحـديث النبوي الشريف عدد كبير من النصوص الحاثة على العمل وعدم التهاون فيه لمن أراد العزة والنصر والتمكين، منها قوله تعالى يدعو للاستعداد واكتساب القوة: ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ) ؛ وقوله في كيفية صلاة الخوف : ( وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ) ، وقوله لموسـى ، عليه السلام ، منبها له على التحصن بالليل اختفاء عن أعين الاعداء, ودفعا للضرر: ( فأسر بعبادي ليلا ) ؛ وقولـه في خطابه تعالى للمنافقين, مزاوجا بين الإرادة والعمل:

( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين ) (التوبة:46) ؛

وقوله رابطا العمل الصالح بالمنفعة: ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) (النحل:97) .

والعمل الصالح هـنا لا يقتصر على العبادات, وإنما ينسحب على كل عمل مقترن بشروط الصدق والإخلاص, ويحقق مصلحة للعباد.

والناظر لهذه الآيات وغيرها درك أهمية العمل في الإسلام, والترغيب فيه, والحث عليه، وربطه تعالى المسببات بالأسباب، ولذا نجد أنه لما أهمل الاعرابي بعيره، وقال: توكلت على الله، ( قال له النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 64 ] اعقلها وتوكل ) [1] . بل إنه عليه الصلاة والسلام يعبد طريقا واحدا يربط الدنيا بالآخرة، والعمل بالعبادة فيقول: ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل ) [2] .

وهذه الرؤية في المنهج النبوي جعلته صلى الله عليه وسلم يتعامل مع توجيهات الوحي ومدركات العقل تعاملا متكاملا, فيأخذ بالأسباب, ويتحمل مسئولية عمله, متوكلا على الله, مستفرغا وسعه في الدعاء والتضرع, وانتظار العون والمدد منه سبحانه.

وقد جاء قـول الله الحـق صريحا واضحا للكشف عن دور العمل في حياة الإنسان, ومسـئوليته عنه وتعميقه في نفسـه،

يقـول تعالى: ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) (النجم:39) .

وورد في الحديث الشريف ما يرادف هـذا المعنى، ويؤكد مسئولية الإنسان، وإذن فليس بإمكان أحد بعد هـذا الإيضاح أن يقول: إن الإسلام دعا إلى الاتكالية والكسل، وعطل الأسباب والقوانين الطبيعية للحياة، فكل ما جاء في الإسلام دعوة إلى الجد وممارسة المسئولية والسير بالحياة وفق قوانين الطبيعة وسننها التي أودعها الله في هـذا العالم. [ ص: 65 ] وعندما نسلم بهذه الحقيقة الفاعلة في دنيا الإنسان ندرك أن عليه واجبا ومسئولية، وأنه إذا أراد إنجاز شيء ما, وسعى لتحقيقه بالأسباب المادية دعا الله سبحانه لإعانته على ذلك، وهنا يأتي العون الإلهي متمثلا بتوفيق الله الإنسان لإصابة الأسباب الملائمة، وتأهيلها لإعطاء النتائج المرجوة. ولنا في القرآن الكريم والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي شواهد تعزز ارتباط العمل بالدعاء, والتوفيق الذي يكون بهما معا. يقول تعالى مخبرا عن طالوت وجنوده قبل بداية المعركة مع جالوت:

( ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) (البقرة:250)

وبعد هـذا الدعاء، كان الجواب من الله: ( فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت ... ) (البقرة:251) ،

فالنصر كان حليفهم حين دعوا الله وتوكلوا عليه, بعد تحملهم مسئولية الأخذ بالأسباب المادية, والسعي لتحقيقها على أرض الواقع بإذن الله وتوفيقه بعد الدعاء والتوكل عليه سبحانه.

والسيرة النبوية تقف كلها شاهدة على سعيه صلى الله عليه وسلم وجده في العمل مع التوكل على الله ودعائه والتضرع إليه في كل لحظة من لحظات حياته. ولعل قصة النعمان بن مقرن في سنة إحدى وعشرين في التاريخ الإسلامي تحكي عن تكامل العمل والدعاء في حياة المسلمين, وعدم الفصل بينهما، فبعد أن تحصن الفرس بخنادقهم، وطال حصار المسلمين لهم، استشار [ ص: 66 ] استشار النعمان قادته، فأشاروا عليه باستدراج الفرس والتظاهر بالهروب حتى إذا ابتعد الجند عن حصونهم وخنادقهم نشبت المعركة، ووافق النعمان على الخطة، وقال لهم: إني مكبر ثلاثا فإذا كان الثـالثة فابدءوا بالقتال، وهنا لم ينس النعمان الاتصال الروحي مع الله، فقد ذهب النعمان إلى أحد الأمكنة ودعا الله قائلا: «اللهم اعزز دينك، وانصر عبادك، اللهم إني أسألك أن تقر عيني بفتح يكون فيه عز الإسلام، واقبضني شهيدا»، وبكى الناس مع النعمان وابتهلوا إلى الله وتضرعوا، واستجاب الله دعاءهم فنصرهم على عدوهم نصرا عظيما، واستجاب الله دعاء النعمان بن مقرن، فكان أول قتيل من المسلمين على أرض المعركة، رضي الله عنه . [3] .

إن عمل المسلم في الحضارة الإسلامية إبان ازدهارها تفاعل لا ينقطع وتدافع بين الحق والباطل لا يتوقف، استعانة بالأسباب مع مصاحبة الدعاء في أي وقت من الأوقات، مقتديا بحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي كان الدعاء يدخل في كل شعبة من شعب حياته الجليلة، فلم يستغن أبدا عن شرب هـذا الشراب الكوثري، الذي يحفزه على العمل. [ ص: 67 ] يقول ابن قيم الجوزية : «كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق ذكرا لله عز وجل ، بل كان كلامه كله في ذكر الله وما والاه, وكان أمره ونهيه وتشريعه للأمة ذكرا منه لله، وإخباره عن أسماء الرب وصفاته، وأحكامه وأفعاله، ووعده ووعيده، ذكرا منه له، وثناؤه عليه بآلائه، وتمجيده وحمده وتسبيحه ذكرا منه له، وسؤاله ودعاؤه إياه, ورغبته ورهبته ذكرا منه له, وسكوته وصمته ذكرا منه له بقلبه, فكان ذاكرا لله في كل أحيانه, وعلى جميع أحواله, وكان ذكره لله يجري مع أنفاسه, قائما وقاعدا وعلى جنبه, وفي مشيه وركوبه ومسيره, ونزوله وظعنه وإقامته» . وبذلك يمتد الإسلام بما يتسم به من الشمول والاتساع والمرونة امتدادا يتناول كل أطراف الحياة ومناحيها من القضايا والمشكلات والأمور، فهو يمتد ليشمل فرائض ومندوبات شتى يؤجر فاعلها من الله أجرا كبيرا [4] .

وهناك سؤال يلح على أفئدة بعض الداعين، تتشدق به أفواههم، وهو: لماذا لا تستجاب كل الدعوات وترد في أشد ظروف الإنسان محنة وحرجا؟

إن استجابة الدعاء مرهونة بمشيئة الله تعالى، ومع ذلك فهناك شروط يجب على الداعي تهيئتها قبل الدعاء، ثم يترك لله بعد ذلك ظرف استجابته، سواء في الدنيا أو في الآخرة. وهذه الشروط منها ما هـو ذاتي يرتبط بالإنسان الداعي نفسه، ومنها ما هـو موضوعي يرتبط بأسباب المسألة التي يدعو المؤمن لتحقيقها، ومنها ما هـو رباني يتعلق بحكمة الله وعلمه بمصالح العباد. [ ص: 68 ] فالشرط الذاتي يستدعي الثقة المطلقة بالله عز وجل ، واليقين بإجابته، حيث تكون الذات الإنسانية تتطلع للوصول إلى علاقة قوية مع الله تعالى والارتباط به سبحانه، تؤهلها لرفع الدعاء إليه، واستقبال فيوضات رحمته الربانية، واستحقاق القبول منه تعالى، ( فعن أبي هـريرة ، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه ) [5] . وقال أيضا في استجابة الله: ( إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين ) [6] . ومثل هـذه العلاقة تنبني على الإيمان المطلق بالله والاستجابة والإخلاص له:

( فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ) (غافر:14) ،

الأمر الذي يعني الالتزام بشريعته ومنهجه، وضرورة تفعيل قيم ومبادئ ومفاهيم القرآن في ممارساتنا بقناعة وثقة مطلقة بوعد الله،

يقول تعالى: ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) (البقرة:186) .

فإجابة الدعاء مرتبطة بالاستجابة لله والإيمان به أي أن العون الإلهي هـو ترشيد الإنسان وهدايته إلى أسباب نجاح دعوته، وإعانته على إنجازها، [ ص: 69 ] وبالتالي يكون الدعاء تعبير عن إيمان المسلم، وإعلانه بأن الله هـو خالق كل شيء، وهو مالك كل شيء، وإقراره بفقره إلى الله، وعدم استغنائه عنه، واقتلاع جذور الغرور والكبرياء من أعماقه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، وعدم تعجيل الإجابة، ( يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعـوت فلـم يستجب لي ) [7] ، ( ويقول: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل.. قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ) [8] . قال ابن حجر : «وفي هـذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أن يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة؛ لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار» [9] . وقال ابن القيم : «ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء أن يتعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنـزلة من بذر بذرا أو غرس غرسا فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله» [10] . [ ص: 70 ] أما الشرط الموضوعي فيستدعي تهيئة الظروف والأسباب المصاحبة للدعاء، من ذلك مثلا تحري الحلال في كل مستلزمات الحياة، من مأكل ومـلبس وغيرهما، ( قـال رسـول الله صلى الله عليه وسلم «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبـل إلا طيبا، وإن الله أمـر المؤمنـين بما أمر به المرسـلين فقال:

( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) (المؤمنون:51) ،

وقال: ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ... ) (البقرة:172) ،

ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك )
[11] . فالعمل على الأخذ بالأسباب شرط أساس من أجل استجابة الدعاء، فالمريض مثلا عليه التداوي بالطب وأخذ الدواء مع الدعاء وطلب الشفاء منه تعالى، أما التقاعس عن أخذ الدواء والاتكال على الدعاء، فهذا غباء وسلبية ينهى عنها الإسلام؛ لأن الله تعالى جعل بحكمته علاقة بين الأشياء وأسبابها، ويأتي دور العون الإلهي في هـذه الحالة متمثلا بتوفيق الله الإنسان لإصابة الأسباب الملائمة، وتأهيلها لإعطـاء النتـائج المرجوة، [ ص: 71 ] يقول ابن القيم : «الرجاء وحسن الظن إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله في شرعه وقدره وثوابه وكرامته، فيأتي العبد بها ثم يحسن ظنه بربه ويرجوه ألا يكله إليها، وأن يجعلها موصلة إلى ما ينفعه، ويصرف عما يعارضها ويبطل أثرها». [12] أما الشرط الرباني فيستدعي عدم مخالفة الدعاء لحكمة الله ومشيئته تعالى؛ لأنه يجب ألا يغيب عن ذهن الداعي أن مشيئة الله سبحانه هـي النافـذة، وإرادته هـي الغـالبة، وليس للأسـباب والقـوانين الطبيـعية دور الحتمية إذا شاء الله سبحانه الاستجابة أو عدمها:

يقول تعالى: ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) (يس:82) ،

ويؤمن بأن الخالق للأسـباب والقوانين الطبيعية قادر على أن يغير ويبدل ما يشاء بقدرته، وأن يوفق الإنسان بعد عجزه إلى اكتشاف السبب الذي يوصله إلى تحقيق غايته، أو يحجبها عنه إذا كانت مصلحته في ذلك حسب علم الله، إذ كثيرا ما يدعو الإنسان لتحقيق شيء وهو لا يحسن تقدير نتائجه، ولا طبيعة آثاره في حياته، أو في مجتمعه، كما أنه قد يلح بالطلب، ويرفع صوته بالدعـاء والابتهال في التخلص من شيء، وهو لا يعلم أن مصلحته فيما يرفض، وخيره فيما يدعو الله للخلاص منه، فكل ذلك خاف على الإنسان لعدم قدرته على معرفة الغيب، أو الاطلاع على نتائج ما يريده ويطلبه. [ ص: 72 ] كما قد يستدعي الشرط الرباني تأخير إجابة الدعاء لكي يلح الداعي أكثر على ربه، وهناك أحاديث مرفوعة في هـذا المجال، ذلك أن الإلحاح في الدعاء يعقبه الانكسار بين يديه سبحانه. وقد تقتضي حكمة الله ومشيئته عدم إجابة الدعاء رغم توفر الشرط الذاتي والشرط الموضوعي، لكنه تعالى إما يدخر لصاحبه ثوابه في الآخرة، أو يخفف عنه بلاء في الدنيا.

وفي نص لابن قيم الجوزية يجمع فيه بعض شروط استجابة الدعاء ويبين أوقات الاستجابة ويشرح بعض آداب الدعاء يقول فيه:

«إذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة, وهو الثلث الأخير من الليل، وعند الآذان، وبين الآذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة من ذلك اليوم، وآخر ساعـة بعد العصر، وصادف خشوعا في القلب، وانكسارا بين يدي الرب، وذلا له وتضـرعا ورقة، واستـقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله تعـالى، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على محمد عبـده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاسـتغفار، ثم دخل على الله وألح عليه في المسألة، وتملقه ودعاه رغبة ورهبة، وتوسـل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدم بين يدي دعائه صـدقة، فإن هـذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا، ولا سيـما إن صادف الأدعية التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة للإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم» [13] . [ ص: 73 ] وأكثر مواطـن الاستـجابة موطن السجـود، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ... فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم ) [14] .

وأفضل أوقات الدعاء جوف الليل ( لقوله صلى الله عليه وسلم : أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن ) [15] ، ( وقوله عليه الصلاة والسلام ، عن أبي هـريرة ، رضي الله عنه : ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له ) [16] .

وفي رواية للطبراني ( عن أبي أمامة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف في سبيل الله، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلاة، وعند رؤية الكعبة ) . [ ص: 74 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية