وقالت طائفة : ، فإذا كان الصنف مكيلا بيع بنوعه كيلا بمثله يدا بيد ، ولم يحل فيه التفاضل ولا النسيئة - وجاز بيعه بنوع آخر من المكيلات متفاضلا يدا بيد ، ولا يجوز فيه النسيئة - وإذا كان موزونا جاز بيعه بنوعه وزنا بوزن نقدا ، ولا يجوز فيه التفاضل ولا النسيئة ، وجاز بيعه بنوع آخر من الموزونات متفاضلا يدا بيد ، ولا يجوز فيه النسيئة إلا في الذهب ، والفضة ، خاصة فإنه يجوز أن يباع بهما سائر الموزونات نسيئة . علة الربا هي الكيل والوزن في جنس واحد أو جنسين فقط
[ ص: 416 ] وجائز ، كاللحم بالبر ، أو كالعسل بالتمر ، أو الزبيب بالشعير ، وهكذا في كل شيء - وهو قول بيع المكيل بالموزون متفاضلا ومتماثلا نقدا ونسيئة وأصحابه . أبي حنيفة
وقد رغب بعض المتأخرين منهم عن هذه العلة بسبب انتقاضها عليهم في الذهب والفضة بسائر الموزونات ، فلجأ إلى أن قال : علة الربا هي وجود الكيل ، أو الوزن فيما يتعين ، فما زادونا بهذا إلا جنونا وكذبا بدعواهم أن الدنانير ، والدراهم : لا تتعين ، وهذه مكابرة العيان .
وأيضا : فإن علة الذهب والفضة عندهم تتعين ، وهم يجيزون تسليمه فيما يوزن ، فلم ينتفعوا بهذه الزيادة السخيفة في إزالة تناقضهم .
ثم أتوا بتخاليط تشبه ما يأتي به من بغى لفساد عقله ، قد تقصيناها في هذا المكان ، إلا أن منها مخالفتهم السنة المتفق عليها من كل من يرى الربا في غير النسيئة ، فأجازوا التمرة بالتمرتين يدا بيد ، ويلزمهم أن يجيزوا تسليم ثلاث حبات من قمح في حبتين من تمر ، وهذا خروج عن الإجماع المتيقن .
قال : واحتجوا لقولهم هذا بما رويناه من طريق أبو محمد أنا مسلم ابن قعنب عن عن سليمان - يعني ابن بلال - عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع يحدث أن سعيد بن المسيب ، أبا هريرة وأبا سعيد حدثاه { بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر فقدم بتمر جنيب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكل تمر خيبر هكذا ؟ قال : لا ، والله يا رسول الله إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعلوا ، ولكن مثلا بمثل ، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا ، وكذلك الميزان } فاحتجوا بهذه اللفظة ، وهي قول " وكذلك الميزان " . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا
[ ص: 417 ] ومن طريق أنا عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أبي سعيد قال : { } . دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض أهله فوجد عندهم تمرا أجود من تمرهم فقال : من أين هذا ؟ فقالوا : أبدلنا صاعين بصاع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلح صاعين بصاع ولا درهمين بدرهم
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة ابن أبي زائدة عن محمد بن عمرو بن علقمة الليثي عن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } وهذان خبران صحيحان إلا أنه لا حجة لهم فيهما ، على ما نبين ، إن شاء الله تعالى . لا يصلح درهم بدرهمين ولا صاع بصاعين
وبما رويناه من طريق أنا وكيع أبو جناب عن أبيه عن قال { ابن عمر } . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - عند هذه السارية وهي يومئذ جذع نخلة - : لا تبيعوا الدينار بالدينارين ، ولا الدرهم بالدرهمين ، ولا الصاع بالصاعين ، إني أخاف عليكم الرماء - والرماء الربا - زاد بعضهم : فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيب بالإبل ، قال : لا بأس إذا كان يدا بيد
وبما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكي أنا أنا ابن مفرج إبراهيم بن أحمد بن فراس أنا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري أنا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - أنا أنا { روح حيان بن عبيد الله - وكان رجل صدق - قال سألت أبا مجلز عن الصرف ؟ فقال : يدا بيد ، كان لا يرى به بأسا ما كان منه يدا بيد ، فأتاه ابن عباس أبو سعيد فقال له : ألا تتقي الله ، حتى متى يأكل الناس الربا ؟ أوما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : التمر بالتمر ، والحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير ، والذهب بالذهب ، والفضة بالفضة يدا بيد ، عينا بعين ، مثلا بمثل ، فما زاد فهو ربا ؟ ثم قال : وكذلك ما يكال ويوزن أيضا } ؟ فقال ابن عباس لأبي سعيد : جزاك الله الجنة ، ذكرتني أمرا قد كنت أنسيته ، فأنا أستغفر الله وأتوب إليه - فكان ينهى عنه بعد ذلك - .
[ ص: 418 ] وهذا كل ما احتجوا به ، ولا حجة لهم في شيء منه .
أما حديث ابن أبي زائدة عن محمد بن عمرو عن عن أبي سلمة أبي سعيد فإنه رواه عن محمد بن عمرو من هو أحفظ من ابن أبي زائدة وأوثق ، فزاد فيه بيانا - : كما حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي أنا أنا ابن مفرج إبراهيم بن أحمد بن فراس أنا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري أنا أنا إسحاق بن راهويه الفضيل بن موسى ، ، قالا جميعا : أنا والنضر بن شميل محمد بن عمرو عن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أبي سعيد الخدري قال { } . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرزقنا تمرا من تمر الجمع ، فنستبدل تمرا أطيب منه ونزيد في السعر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يصلح هذا لا يصلح صاعين بصاع ، ولا درهمان بدرهم ، ولا الدينار بدينارين ، ولا الدرهم بالدرهم لا فضل بينهما إلا ربا
قال : فقوله عليه السلام : { أبو محمد } إشارة إلى التمر المذكور في الخبر ، لا يمكن غير ذلك أصلا ، بدأ عليه السلام فقال : " لا يصلح " مشيرا إلى فعلهم ، ثم ابتدأ الكلام فقال : " هذا لا يصلح صاعين بصاع " ف " هذا ، ابتداء ، و " لا يصلح صاعين بصاع " جملة في موضع خبر الابتداء وانتصب " صاعين بصاع " على التمييز ، ولا يجوز غير ذلك أصلا ; لأنه لو قال عليه السلام : لا يصلح هذا ، ثم ابتدأ الكلام بقوله : لا يصلح صاعين بصاع ، دون أن يكون في يصلح الثانية ضمير راجع إلى مذكور ، أو مشار إليه لكان لحنا لا يجوز ألبتة . لا يصلح ، هذا لا يصلح صاعين بصاع
ومن الباطل المقطوع به أن يكون عليه السلام يلحن ، ولا يحل إحالة لفظ الخبر ما دام يوجد له وجه صحيح - فبطل تعلقهم بهذا الخبر . ولله تعالى الحمد .
وأما حديث عن سعيد بن المسيب أبي سعيد ، ، الذي فيه { وأبي هريرة } فإنهم جسروا ههنا على الكذب البحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قطعوا بأنه عليه السلام أراد أن يقول : لا يحل التفاضل في كل جنس من الموزونات بجنسه ، ولا النسيئة ، فاقتصر من هذا كله على أن قال " وكذلك الميزان " . وكذلك الميزان
قال : إنما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيان ، وأما بالإشكال في الدين ، والتلبس في الشريعة : فمعاذ الله من هذا ، وليس في التلبيس ، والإشكال : أكثر من أن [ ص: 419 ] يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرم كل جنس مما يكال بشيء من جنسه متفاضلا أو نسيئة ، وكل جنس مما يوزن بشيء من جنسه متفاضلا أو نسيئة ، فيقتصر من بيان ذلك علينا ، وتفصيله لنا ، على أن يقول في التمر الذي اشتري بتمر أكثر منه : لا تفعلوا ، ولكن مثلا بمثل ، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا ، وكذلك الميزان . أبو محمد
وما خلق الله قط أحدا يفهم تلك الصنفين من هذا الكلام ، ولا ركب الله تعالى قط هذا الكلام على تلك الخرافتين .
ولو أن إنسانا من الناس أراد تلك الشريعتين اللتين احتجوا لهما بهذا الكلام ، فعبر عنهما بهذا الكلام ، لسخر منه ، ولما عده من يسمعه إلا ألكن اللسان ، أو ماجنا من المجان ، أو سخيفا من النوكى .
أفلا يستحيون من هذه الفضائح الموبقة عند الله تعالى ، المخزية في العاجل ، ولكنا نقول قولا نتقرب به إلى الله تعالى ، ويشهد لصحته كل ذي فهم من مخالف ومؤالف - وهو أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } قول مجمل ، مثل قول الله تعالى : { وكذلك الميزان أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } نؤمن بكل ذلك ، ونطلب بيانه من نصوص أخر ، ولا نقدم بالظن الكاذب ، والدعوى الآفكة على أن نقول : أراد الله تعالى كذا وكذا ، وأراد رسوله عليه السلام معنى كذا - : لا يقتضيه ذلك اللفظ بموضوعه في اللغة ، فطلبنا ذلك - : فوجدنا حديث ، عبادة بن الصامت وأبي بكرة ، ، قد بين فيها مراده عليه السلام بقوله ههنا : " وكذلك الميزان " وهو تفسيره عليه السلام هنالك : أنه لا يحل الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن ، ولا الفضة بالفضة إلا وزنا بوزن - فقطعنا : أن هذا هو مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " وكذلك الميزان " . وأبي هريرة
وشهدنا بشهادة الله تعالى : أنه عليه السلام لو أراد غير هذا لبينه ووضحه حتى يفهمه أهل الإسلام ولم يكلنا إلى ظن ورأيه ، الذي لا رأي أسقط منه ، ولا إلى كهانة أصحابه الغثة التي حلوانهم عليها الخزية فقط ، قال تعالى : { أبي حنيفة لتبين للناس ما نزل إليهم } ، { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } فسقط تمويههم بهذا الخبر - ولله تعالى الحمد .
[ ص: 420 ] والعجب كل العجب من قولهم في البين الواضح من نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرطب بالتمر : أنه إنما أراد التي في رءوس النخل - وليس هذا في شيء من الأخبار ; لأن ذلك خبر وهذا آخر .
ويأتون إلى مجمل لا يفهم أحد منه إلا ما فسره عليه السلام في مكان آخر ، فيزيدون فيه ويفسرونه بالباطل ، وبما لا يقتضيه لفظه عليه السلام أصلا .
وأما حديث عن يحيى بن أبي كثير : لا يصلح صاعين بصاع ، فإنهم قالوا : هذا عموم لكل مكيل . أبي سلمة
قال : وهذا خبر اختصره أبو محمد عن معمر ، أو وهم فيه بيقين لا إشكال فيه ، فرواه يحيى بن أبي كثير ابن أبي زائدة عن محمد بن عمرو ، أو وهم فيه على ما ذكرنا قبل ; لأن هذا خبر رواه عن بإسناده : يحيى بن أبي كثير الأوزاعي ، ، وهشام الدستوائي - وليس وشيبان بن فروخ هشام ، والأوزاعي ، دون ، إن لم يكن معمر هشام أحفظ منه .
فرويناه من طريق حدثني مسلم أنا إسحاق بن منصور عن عبيد الله بن موسى شيبان - ومن طريق أحمد بن شعيب أنا هشام بن أبي عمار عن أنا يحيى بن حمزة الأوزاعي - وحدثنا حمام أنا عباس بن أصبغ أنا محمد بن عبد الملك بن أيمن أنا بكر بن حماد أنا مسدد أنا أنا بشر بن المفضل كلهم عن هشام - هو الدستوائي - عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أبي سعيد الخدري " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { } . لا صاعي تمر بصاع ، ولا صاعي حنطة بصاع ، ولا درهمين بدرهم
قال الأوزاعي في روايته عن : حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أبو سعيد الخدري - وهذا هو خبر محمد بن عمرو نفسه .
قال : فأسقط أبو محمد ذكر التمر ، والحنطة . معمر
ومن البيان الواضح على خطأ الذي لا شك فيه : إيراده اللحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر بقوله : لا يصلح صاعين بصاع - ووالله ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ، [ ص: 421 ] إلا أن يشير إلى شيء ، فيكون ضميره في " لا يصلح " لا سيما معمر والأوزاعي يذكر سماع من يحيى بن أبي كثير ، وسماع أبي سلمة من أبي سلمة أبي سعيد ، لم يذكر ذلك - وهذا لا يكدح عندنا شيئا ، إلا إذا كان خبرا واحدا اختلف فيه الرواة ، فإن رواية الذي ذكر السماع أولى ، لا سيما ممن ذكر بتدليس . معمر
ثم لو صح لهم لفظ ابن أبي زائدة ، ، بلا زيادة من غيرهما ، ولا بيان من سواهما ، لما كان لهم فيه حجة لوجهين - : ومعمر
أحدهما - أنه ليس فيه ذكر جنس واحد ، ولا جنسين أصلا ، وهم يجيزون صاعي حنطة بصاع تمر ، وبكل ما ليسا من جنس واحد - وهذا خلاف عموم الخبر .
فإن قالوا : فسر هذا أخبار أخر ؟ قلنا : وكذلك فسرت أخبار أخر ما أجمله . معمر
والوجه الثاني - أن يقول هذا في القرض لا في البيع ، نعم ، لا يجوز في القرض صاعان بصاع في شيء من الأشياء كلها ، وأما البيع فلا ، لأن الله تعالى يقول : { وأحل الله البيع } .
فإن ادعوا إجماعا كذبوا ; لأنهم يجيزون صاعي شعير بصاع بر ، والناس لا يجيزونه كلهم ، بل يختلفون في إجازته .
وصاعي حمص بصاع لبياء ، ولا إجماع ههنا ، لا يجيزه . فمالك
فإن قالوا : قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } ؟ قلنا : صح أنه عليه السلام قال : { فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم } فإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأصناف التي سمى في الحديث الذي ذكر هذا اللفظ في آخره - ولا يحل أن ينسب إليه عليه السلام قول بظن كاذب . فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد
ويكفي من هذا أنهم مجمعون معنا على لفظة " لا صاعين بصاع " ليست على [ ص: 422 ] عمومها ، فقالوا هم : في كل مكيل من جنس واحد ، وقلنا نحن : هو في الأصناف المنصوص عليها ، فدعوى كدعوى .
وبرهاننا نحن - : صحة النص على قولنا ، وبقي قولهم بلا برهان فبطل تعلقهم بهذا الخبر - ولله تعالى الحمد .
وأما حديث فساقط ; لأنه عن ابن عمر أبي جناب - وهو يحيى بن أبي حية الكلبي - ترك الرواية عنه ، يحيى القطان ، وضعف ، وذكر بتدليس ، ثم هو عن أبيه وهو مجهول جملة - فبطل التعلق به - ثم لو صح لكان القول فيه كالقول في غيره مما ذكرنا آنفا مما خالفوا فيه عمومه . وعبد الرحمن بن مهدي
وأما حديث أبي سعيد الخدري الذي أوردنا من طريق حيان بن عبيد الله عن أبي مجلز ، فلا حجة فيه ; لأنه منقطع كما أوردنا ، لم يسمعه ، لا من أبي سعيد ، ولا من ، وذكر فيه : أن ابن عباس تاب ورجع عن القول بذلك - وهذا الباطل وقول من بلغه خبر لم يشهده ولا أخذه عن ثقة . ابن عباس
وقد روى رجوع : ابن عباس أبو الجوزاء - رواه عنه - وهو مجهول لا يدرى من هو - وروى عنه سليمان بن علي الربعي أنه كرهه . أبو الصهباء
وروى عنه ما يدل على التوقف . طاوس
وروى الثقة المختص به خلاف هذا - : كما حدثنا حمام أنا عباس بن أصبغ أنا محمد بن عبد الملك بن أيمن أنا أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل أبي هاشم أنا أبو بشر - هو جعفر بن أبي وحشية عن عن سعيد بن جبير أنه قال : ما كان الربا قط في هاء وهات . ابن عباس
وحلف : بالله ما رجع عنه حتى مات . سعيد بن جبير
ثم هو أيضا من رواية حيان بن عبيد الله - وهو مجهول - ثم لو انسند حديث أبي مجلز المذكور لما كانت لهم فيه حجة ; لأن اللفظ الذي تعلقوا به من " وكذلك ما يكال ويوزن " ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام أبي سعيد لو صح .
وهو أيضا عنه منقطع ; لأن هذا خبر رواه : ، نافع وأبو صالح السمان ، وأبو المتوكل الناجي ، ، وسعيد بن المسيب وعقبة بن عبد الغافر ، ، [ ص: 423 ] وأبو نضرة ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد الجريري ، ، كلهم عن وعطاء بن أبي رباح أبي سعيد الخدري ، وكلهم ذكروا أنهم سمعوه منه ، وكلهم متصل الأسانيد بالثقات المعروفين إليهم ، ليس منهم أحد ذكر هذا اللفظ فيه ، وهو بين في الحديث المذكور نفسه ; لأنه لما تم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو مجلز : ثم قال فابتدأ الكلام المذكور من ذكر " وكذلك كل ما يكال ويوزن " مفصولا عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يبعد أن يكون من كلام أبي مجلز - وهو الأظهر - فبطل من كل جهة ، ولا يحل أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام بالظن الكاذب .
قال ثم العجب كله من احتجاجهم فيما ليس فيه منه نص ولا دليل ولا أثر ، وخلافهم ليقين ما فيه منسوبا مبينا أنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم . أبو محمد
وقد صح من غير هذا الخبر أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . التمر بالتمر ، والحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير ، والذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، يدا بيد ، عينا بعين
فقالوا هم جهارا : نعم ، ويجوز غير عين بغير عين ، ويجوز عين بغير عين ، نعم ، يجوز تمرة بتمرتين وبأكثر ، فهل بعد هذه الفضائح فضائح ؟ أو يبقى مع هذا دين أو حياء من عار أو خوف نار - نعوذ بالله من الضلال والدمار .
قال : ومما يبين غاية البيان : أن هذا اللفظ - نعني وكذلك ما يكال ويوزن - ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم قطعا ببرهان واضح - وهو أيضا مبطل لعلتهم بالوزن ، والكيل ، من طريق ضرورة الحس ، وبديهة العقل ، وصادق النظر ، فإن من الباطل البحت أن يكون عليه السلام يجعل علة الحرام في الربا : الوزن ، والكيل ، والتفاضل فيه ، وباعثه عز وجل يعلم ، وهو عليه السلام يدري ، وكل ذي عقل يعرف : أن حكم المبيعات يختلف في البلاد أشد اختلاف ، فما يوزن في بلدة يكال في أخرى : كالعسل ، والزيت والدقيق ، والسمن ، يباع الزيت والعسل أبو محمد ببغداد والكوفة وزنا ، ولا يباع شيء منها بالأندلس إلا كيلا .
ويباع السمن والدقيق في بعض البلاد كيلا ، ولا يباع عندنا إلا وزنا ، والتين يباع برية كيلا ، ولا يباع بإشبيلية وقرطبة إلا وزنا ، وكذلك سائر الأشياء .
ولا سبل إلى أن يعرف كيف كان يباع ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلا ، [ ص: 424 ] فحصل الربا لا يدرى ما هو حتى يجتنب ؟ ولا ما ليس هو فيستعمل وصار الحرام والحلال في دين الله تعالى أمشاجا مختلطين لا يعرف هذا من هذا أبدا .
وحصلت الأنواع المبيعة كلها التي يدخلون فيها الربا لا يدرون كيف يدخل الربا فيها ؟ ولا كيف يسلم منه ؟ نبرأ إلى الله تعالى من دين هذه صفته ، هيهات أين هذا القول الكاذب ؟ من قول الله تعالى الصادق { : اليوم أكملت لكم دينكم } ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . اللهم هل بلغت ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : اللهم اشهد
فإن رجعوا إلى أن يجعلوا لأهل كل بلد عادته حصل الدين لعبا إذا شاء أهل بلد أن يستحلوا الحرام ردوا كل ما كانوا يبيعونه بكيل إلى الوزن ، وما كانوا يبيعونه بوزن إلى كيل فحل لهم باختيارهم ما كان حراما أمس من التفاضل بين الكيلين ، أو بين الوزنين ما شاء الله كان ، وهذا بعينه أيضا يدخل على المالكيين ، والشافعيين ; لأنهم إذا أدخلوا الربا في المأكول كله ، أو في المدخر المقتات : سألناهم عن الأصناف المبيعة من ذلك ، وليست صنفا ، ولا صنفين ، بل هي عشرات كثيرة : بأي شيء يوجبون فيها التماثل ، أبالكيل أم بالوزن ؟ فأيا ما قالوا صاروا متحكمين بالباطل ، ولم يكونوا أولى من آخر يقول بالوزن فيما قالوا هم فيه بالكيل ، أو بالكيل فيما قالوا هم فيه بالوزن ، فأين المخلص ؟ أم كيف يبيع الناس ما أحل لهم من البيع ؟ أم كيف يجتنبون ما حرم عليهم من الربا ؟ وهذا من الخطأ الذي لا يحل على من يسره الله تعالى لنصيحة نفسه .
وذكروا في ذلك عمن تقدم ما روينا من طريق عن ابن وهب مخرمة بن بكير عن أبيه سمعت قال : كتب عمرو بن شعيب إلى عمر بن الخطاب : أن لا يباع الصاع بالصاعين إذا كان مثله وإن كان يدا بيد ، فإن اختلف فلا بأس ، وإذا اختلف في الدين فلا يصلح - وكل شيء يوزن مثل ذلك كهيئة المكيال . أبي موسى الأشعري