وقالت طائفة منهم : ، أبو ثور ، ومحمد بن المنذر والنيسابوري ، وهو قول في أول قوليه - : علة الربا هي الأكل ، والشرب ، والكيل ، والوزن ، والتثمين - فما كان مما يؤكل أو يشرب ، أو يكال أو يوزن ، لم يجز منه من جنس واحد واحد باثنين ، لا يدا بيد ولا نسيئة ، وكذلك الذهب والفضة ، وما كان يكال أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب ، أو كان يؤكل ولا يشرب ، أو كان يؤكل أو يشرب مما لا يكال ولا يوزن ، فلا ربا فيه يدا بيد ، والتفاضل فيه جائز ، فأجازوا الأترج في الأترج متفاضلا نسيئة . الشافعي
[ ص: 408 ] وكذلك كل ما لا يوزن ولا يكال مما يؤكل أو يشرب ، وكل ما يكال أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب ، ولا هو ذهب ولا فضة - وهذا القول صح عن ، ذكره سعيد بن المسيب عن مالك عنه في موطئه ، ولا نعلمه عن أحد قبل أبي الزناد ، ولا عن غيره من أهل عصره . سعيد
وحجة أهل هذا القول أنهم ادعوا الإجماع عليه ، قالوا : وما عداه فمختلف فيه - ولا دليل على وجوب الربا فيما عدا ما ذكرنا .
قال : ودعواهم ههنا باطل ; لأن من ادعى الإجماع على أهل الإسلام - وفيهم الجن ، والإنس - في مسألة لم يرو فيها قول عن ثمانية من الصحابة أصلا أكثرها باطل لا يصح ، ولا عن ثلاثة عشر من التابعين أصلا ، على اختلاف شديد بينهم ، فقد ادعى الباطل ، فكيف والخلاف في هذا أشهر من الشمس ؟ لأن أبو محمد ومن وافقه لا يرون مالكا ، ولا في كل ما يكال أو يوزن مما يؤكل ويشرب ، إذا لم يكن مقتاتا مدخرا . الربا في الماء
فلا يرون ، ولا في العناب ، ولا في حب القنب ، ولا في زريعة الكتان ، ولا في الكرنب ، ولا في غير ذلك ، وكله يوزن أو يكال ويؤكل - فبطل هذا الإجماع المكذوب . الربا في : التفاح
وما وجدنا لهم حجة غير هذا أصلا ، ولا قدرنا على أن نأتي لهم بغيرها ، فبطل هذا القول لتعريه من البرهان - وبالله تعالى التوفيق .
وقالت طائفة : علة الربا إنما هي الطعم في الجنس أو الجنسين ، والتثمين في الجنس أو الجنسين ، فما كان يؤكل ، ويشرب ، فلا يجوز متفاضلا أصلا ولا بنسيئة أصلا ، وإنما يجوز فيه التماثل نقدا فقط إذا كان في جنس واحد ، فإن كان من جنسين : جاز فيه التماثل والتفاضل نقدا ، ولم يجز فيهما النسيئة .
وما كان لا يؤكل ولا يشرب ، ولا هو ذهب ولا فضة ، فالتماثل والتفاضل ، والنقد والنسيئة : جائز فيه جنسا كان أو جنسين - فأجاز رطل حديد برطلي حديد إلى أجل ، وكذلك في كل ما لا يؤكل ولا يشرب ، ولا هو ذهب ولا فضة .
[ ص: 409 ] ومنع من بيع رطل سقمونيا برطلي سقمونيا ، وكذلك كل ما يتداوى به ; لأنه يطعم على وجه ما - وهو قول الآخر ، وعليه يعتمد أصحابه ، وإياه ينصرون . الشافعي
واحتج أهل هذه المقالة بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } من طريق الطعام بالطعام مثلا بمثل عمر بن عبد الله العدوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : هكذا رويناه من طريق أبو محمد أنا مسلم أنا هارون بن معروف أخبرني عبد الله بن وهب - أن عمرو - هو ابن الحارث أبا النضر حدثه أن حدثه عن بسر بن سعيد معمر بن عبد الله العدوي قال " كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { } . الطعام بالطعام مثلا بمثل
قال : وحرفه بعض متأخريهم ممن لا علم له بالحديث ولا ورع له يحجزه عن أن يتكلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يقله ، ولا جاء عنه وبما لا علم له به ، فأطلقه إطلاقا بلا إسناد فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { علي } . قال لا يباع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل : وهذا كذب بحت ، وتعمد لوضع الحديث ، إن لم يكن خطأ من جاهل ، وما جاء هكذا قط ، ولا يوجد أبدا من طريق غير موضوعة . أبو محمد
قال : ولا حجة لهم في الخبر المذكور ; لأنه إنما فيه " الطعام بالطعام مثلا بمثل ، وليس فيه المنع عنه مثلا بأكثر ، ولا إباحته ، إنما هو مسكوت عنه ، فوجب طلبه من غير هذا الخبر " . أبو محمد
وأيضا - فإن لفظة " الطعام " لا تطلق في لغة العرب إلا على البر وحده - : كما روينا من طريق وهو حجة في اللغة { أبي سعيد الخدري } . كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من طعام ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من أقط - فلم يقع اسم الطعام إلا على البر وحده
وأيضا - فإذا كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { } موجبا [ ص: 410 ] عندكم للمنع من بيع الطعام بالطعام أكثر من مثل بمثل ، فاجعلوا - ولا بد - اقتصاره عليه السلام على ذكر الأصناف الستة مانعا من وقوع الربا فيما عداها ، وإلا فقد تناقضتم . الطعام بالطعام مثلا بمثل
فإن قالوا : فما الفائدة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { } ؟ قلنا : أعظم الفائدة إن كنتم تتعدون باسم الطعام إلى كل ما يؤكل ، فإن فيه إبطال قول المالكيين : لا يجوز تفاحة بتفاحة إلا حين يوقن أيهما أكبر ، ولا الخضر بالخضر إلا حين يوقن أيها أكثر ، وإن كان لا يتعدى بلفظة الطعام البر ، ففيه إباحة بيع بر فاضل بأدنى ، وفاضل وأدنى بمتوسط إذا تماثلت في الكيل - . الطعام بالطعام مثلا بمثل
وأيضا : فلا يطلق عربي ولا مستعرب على السقمونيا اسم طعام لا بإطلاق ولا بإضافة .
فإن قالوا : قد تؤكل في الأدوية ؟ قلنا : والصندل قد يؤكل في الأدوية ، والطين الأرميني ، والأحمر ، والطفل كذلك ، والسبد ، واللؤلؤ ، وحجر اليهود كذلك ، فأوقعوا الربا في كل ذلك - وهم لا يفعلون هذا ، نعم ، وفي الناس من يأكل أظفاره ، وشعر لحيته ، والرق ، أكلا ذريعا ، فأوقعوها في الطعام ، وأدخلوا الربا فيها ; لأنهما قد يؤكلان أيضا .
واحتجوا أيضا بما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكي أنا أنا ابن مفرج محمد بن أيوب الرقي أنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار أنا أنا يوسف بن موسى أنا محمد بن فضيل عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عطاء بن يسار ، كلاهما عن وأبي سلمة بن عبد الرحمن قال { أبي سعيد الخدري } . قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما مختلفا فتبايعناه بيننا بزيادة ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأخذه إلا كيلا بكيل
وبما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أخبرني إبراهيم بن الحسن أنا حجاج - هو ابن محمد - قال : قال : أخبرني ابن جريج أنه سمع أبو الزبير يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { جابر بن عبد الله } . لا تباع الصبرة من الطعام بالصبرة من الطعام ، ولا الصبرة من الطعام بالكيل من الطعام المسمى
[ ص: 411 ] فهذان حديثان صحيحان إلا أنهما لا حجة لهم فيهما ; لأن اسم " الطعام " لا يقع كما قلنا عند العرب مطلقا إلا على البر فقط ، كما ذكرنا عن آنفا . أبي سعيد الخدري
فإن قيل : فقد قال الله عز وجل { : وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم } فأراد تعالى ذبائحنا وذبائحهم .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } ؟ لا صلاة بحضرة طعام
قلنا : لا نمنع من وقوع اسم " الطعام " على غير البر بإضافة أو بدليل من النص على أن هذا الاحتجاج هو على الشافعيين لا لهم ; لأنهم لا يختلفون في أحد قوليهم : إن ذبائح أهل الكتاب وذبائحنا جائز بعضها ببعض متفاضلا ، وفي قولهم الثاني : أنه لا يجوز بيع شيء منها بشيء أصلا حتى ييبس .
وهذان القولان مخالفان لاحتجاجهم بإطلاق اسم الطعام على اللحوم وغيرها .
قال : وهذان الخبران مخالفان لقول أبو محمد ، مالك ، جملة إن حملاهما على أن " الطعام " واقع على كل ما يؤكل مبطلان لقولهما في الربا . وأبي حنيفة
وبالله تعالى التوفيق .
وأما حديث فكما قلنا ، ويبطل أيضا احتجاجهم به بأنه قد رواه عن أبي سعيد من هو أضبط وأحفظ من ابن إسحاق ابن فضيل : ، كما روينا من طريق قتيبة أنا ابن أبي شيبة أنا ابن نمير - هو عبد الله - عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار " قال : { أبي سعيد الخدري } فبطل تعلقهم بذلك . قسم فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما من التمر مختلفا بعضه أفضل من بعض ، فذهبنا نتزايد فيه فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كيلا بكيل
وأيضا : فإنه لا خلاف بيننا وبينهم في أن ذلك الطعام الذي فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم إنما كان صنفا واحدا : إما تمرا ، أو برا ، أو غير ذلك ; لأن فيه نهيهم عن أن يبيعوه بعضه ببعض بزيادة ، هذا ما لا شك فيه .
فإذ هو كذلك فتسميته بالطعام من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمكن لهم أن ينازعونا في [ ص: 412 ] معناه ، ثم يحملوه على عمومه ، إنما هو من كلام وقد أخبرنا عن أبي سعيد أنه لا يطلق اسم " الطعام " إلا على البر . أبي سعيد
ثم لا يماروننا في أن حكم ذلك الخبر إنما هو في ذلك المقسوم - هذا نص مقتضى لفظ الخبر يقينا ضرورة ولا بد ، فلا حجة لهم فيه في جميع أصناف ما يريدون أن يسموه طعاما ، إلا بقياس فاسد ينازعون فيه ، وهم لا يدعون معرفة ما كان من صنف ذلك الطعام ، فيمكنهم عندنا أن يحتجوا علينا به لو صح لهم أنه لم يكن برا ، ولا تمرا ، ولا شعيرا ، ويبطل تعلقهم به إن كان برا ، أو تمرا ، أو شعيرا ; لأن هذا هو قولنا في هذه الأصناف الثلاثة ، فبطل تعلقهم بخبر بيقين لا إمكان في سواه - . أبي سعيد
ولله تعالى الحمد .
واستدركنا في حديث ما رويناه من طريق جابر أحمد بن شعيب قال : وأنا به إبراهيم بن الحسن مرة أخرى فقال : أنا قال : قال حجاج : أخبرني ابن جريج أنه سمع أبو الزبير يقول { جابر بن عبد الله } . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر
فقد أخبر أحمد بن شعيب : أن إبراهيم بن الحسن حدثهم بذلك الحديث مرة أخرى فأخبر عنه : أنه هو ذلك الحديث نفسه .
وصح أن إبراهيم بن الحسن حدث به مرة على ما هو معناه عنده ، ومرة على ما سمعه - وأيضا : فإن حجاج بن محمد لم يذكر فيه أنه سمعه من [ فظاهره الانقطاع ] . ابن جريج
وقد رويناه مسندا صحيحا من طريق قال : أنا [ مسلم بن الحجاج أبو الطاهر ] أحمد بن عمرو بن السرح أنا أخبرني ابن وهب : أن ابن جريج أخبره أنه سمع أبا الزبير يقول { جابر بن عبد الله } . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر
[ ص: 413 ] قال : وناه أيضا مسلم إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - أنا أنا روح بن عبادة أنا ابن جريج أنه سمع أبو الزبير يقول { جابر بن عبد الله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله إلا أنه لم يقل بالكيل المسمى } في آخر الحديث ، فهذا هو المتصل الصحيح .
وصح بهذا كله أن إبراهيم بن الحسن أخطأ فيه مرة واستدرك أخرى ، أو حدث به مرة على ما معناه عنده ، ومرة كما سمعه كما رواه غيره -
وبالله تعالى التوفيق - فبطل التعلق بهذين الخبرين جملة .
فإن موهوا بما رويناه من طريق عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن { أبي الزبير قال : كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعطي الصاع من حنطة بستة أصوع من تمر فأما سوى ذلك من الطعام فيكره ذلك إلا مثل بمثل جابر } فهذا لا شيء ; لأنه من طريق هو ساقط . ابن لهيعة
ثم لو صح لكان موقوفا على وليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . جابر
ثم هو مخالف لقول المالكيين ، والشافعيين ، والحنفيين جملة ; لأنهم لا يمنعون من ، ولا يقتصرون في إباحة التفاضل في التمر مع غير البر خاصة ، كما في هذا الخبر . التفاضل في البر بالتمر
هذا كل ما يمكن أن يحتجوا به فقد تقصيناه . وذكروا في ذلك عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما روينا من طريق عن ابن وهب عن يونس بن يزيد ابن شهاب الزهري : بلغنا أن قال : لا بأس أن تتبايعوا يدا بيد ما اختلفت ألوانه من الطعام - يريد التمر بالقمح والتمر بالزبيب . عمر بن الخطاب
ومن طريق أنا عبد الرزاق عن معمر الزهري عن عن أبيه أنه قال : ما اختلفت ألوانه من الطعام ، فلا بأس به يدا بيد ، البر بالتمر ، والزبيب بالشعير ، وكرهه نسيئة ، وكان يكره الطعام أن يباع شيء منه بشيء نظرة . سالم بن عبد الله
ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا عن الربيع بن صبيح أنه كان يكره أن يشتري شيئا من الفاكهة ما يكال بشيء من الطعام نسيئة . عطاء بن أبي رباح
قال : أما قول أبو محمد فمنقطع ، ثم لو صح فقد روي عن عمر خلافه كما نذكر في ذكرنا قول عمر - إن شاء الله تعالى . أبي حنيفة
[ ص: 414 ] ثم ليس فيه بيان بمنعه من النظرة فيما عدا الستة الأصناف فبطل تعلقهم به .
وأما حديث فلا حجة فيه ، وهو صحيح ; لأنه كراهية لا تحريم ، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد روي عنه خلافه على ما نذكر - إن شاء الله تعالى - في ذكرنا أقوال ابن عمر ، فعاد حجة عليهم ; لأنه خلاف قولهم . أبي حنيفة
ثم كم قصة خالفوا فيها عمر ، كتوريث وابن عمر المطلقة ثلاثا في المرض - وقول عمر عمر فيمن أكل يظن أنه ليل فإذا به قد طلع الفجر أن صومه تام ولا قضاء عليه - وفي توريث ذوي الأرحام - وفي أن لا يقتل أحد قودا وابن عمر بمكة - وفي أن لا يحج أحد على بعير جلال - وفي غير ما قصة ، فكيف ولم يأت عن وابنه - رضي الله عنهما - وعن عمر ههنا إلا الكراهة فقط ، لا التحريم الذي يقدمون عليه بلا برهان أصلا ؟ وقد حدثنا عطاء محمد بن سعيد بن نبات أنا عبد الله بن نصر أنا أنا قاسم بن أصبغ أنا ابن وضاح أنا موسى بن معاوية أنا وكيع عن بعض أصحابه عن سفيان الثوري قال : إنه ليعجبني أن يكون بين الحلال والحرام ستر من الحرام . ابن عمر
وقد جاء عن : أنه خاف أن يزيد فيما نهى عنه من الربا أضعاف الربا المحرم خوفا من الوقوع فيه على ما روينا من طريق عمر الحجاج بن المنهال أنا عن يزيد بن زريع عن داود بن أبي هند عامر الشعبي أن قام خطيبا فقال : إنا والله ما ندري لعلنا نأمركم بأمور لا تصلح لكم ، ولعلنا ننهاكم عن أمور تصلح لكم ، وإنه كان من آخر القرآن نزولا لآيات الربا ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبينه لنا ، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم . عمر بن الخطاب
قال : حاش لله من أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبين الربا الذي توعد فيه أشد الوعيد ، والذي أذن الله تعالى فيه بالحرب ، ولئن كان لم يبينه علي فقد بينه لغيره ، وليس عليه أكثر من ذلك ، ولا عليه أن يبين كل شيء لكل أحد ، لكن إذا بينه لمن يبلغه فقد بلغ ما لزمه تبليغه . لعمر
ومن طريق عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عيسى بن المغيرة عن الشعبي قال : قال : تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الربا . عمر بن الخطاب
[ ص: 415 ] فبطل أن يكون لهم متعلق في شيء مما ذكرنا ، وحصل قولهم لا سلف لهم فيه أصلا ، ولا نعرفه عن أحد قبلهم .
وقالوا : إنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ستة أصناف : أربعة مأكولة ، واثنتين هما ثمن الأشياء ، فقسنا على المأكولة كل مأكول ، ولم نقس على الأثمان شيئا ؟
فقلنا : هذا أول الخطأ ، إن كان القياس باطلا فما يحل لكم أن تقيسوا على الأربعة المأكولة المذكورة غيرها ، وإن كان القياس حقا فما يحل لكم أن تدعوا الذهب ، والفضة : دون أن تقيسوا عليهما ، كما فعلتم في الأربعة المأكولة ولا فرق ، فقيسوا على الذهب والفضة كل موزون كما فعل ، أو كل معدني ، فإن أبيتم وعللتم الذهب والفضة بالتثمين ؟ قلنا : هذا عليكم لا لكم ; لأن كل شيء يجوز بيعه فهو ثمن صحيح لكل شيء يجوز بيعه ، بإجماعكم مع الناس على ذلك ، ولا ندري من أين وقع لكم الاقتصار بالتثمين على الذهب ، والفضة ، ولا نص في ذلك ، ولا قول أحد من أهل الإسلام ؟ وهذا خطأ في غاية الفحش ، ولازم للشافعيين ، والمالكيين ، لزوما لا انفكاك منه . أبو حنيفة
وأيضا : فما الذي جعل علتكم بأولى من علة الحنفيين الذين عللوا الأربعة الأصناف بالكيل ، والذهب والفضة بالوزن - وقالوا : لم يذكر عليه السلام إلا مكيلا أو موزونا ، وهذا ما لا مخلص لهم منه ، وحاش لله أن يكون ههنا علة لم يبينها الله في كتابه ، ولا على لسان رسوله عليه السلام ، بل تركنا في ضلال ودين غير تام ، ووكلنا إلى ظنون ، أبي حنيفة ، ومالك ، التي لا معنى لها ، هذا أمر لا يشك فيه ذو عقل . والحمد لله رب العالمين . والشافعي