2076 - مسألة : من ؟ قال قتل عمدا فعفي عنه وأخذ منه الدية ، أو المفاداة : اختلف الناس في هذا فقالت طائفة : يجلد مائة وينفى سنة كما نا أبو محمد حمام نا نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي الدبري نا عن عبد الرزاق أخبرني ابن جريج عباس بن عبد الله أن قال في الذي يقتل عمدا : أنه لا يقع القصاص عليه بجلد مائة ، قلت : كيف ؟ قال - في الحر يقتل عمدا ، أو في أشباه ذلك . عمر بن الخطاب
وبه - إلى عن ابن جريج : أن عمرو بن شعيب جلد حرا قتل عبدا مائة ونفاه عاما عمر
وبه - إلى عن ابن جريج إسماعيل بن أمية قال : سمعت أن الذي يقتل عبدا يسجن سنة ويضرب مائة .
وبه - إلى عن ابن جريج قال : إن قتل الحر عبدا عوقب بجلد وجيع ، وسجن ، وبعتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، ولم تكن عليه عقوبة ابن شهاب
وقال الأوزاعي ، . والليث : من قتل عمدا فعفا عنه الأولياء ، أو فادوه بالدية ; فإنه يجلد مائة سوط مع ذلك ، وينفى سنة - إلى أن قال ومالك : في القسامة يدعى على جماعة أنهم لا يقسمون إلا على واحد فإن أقسموا عليه قتلوه ، وضرب الباقون كل واحد مائة سوط ، وينفوا كلهم سنة سنة . [ ص: 99 ] مالك
وقال آخرون : لا شيء عليه : كما نا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد نا نا أبو بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عمرو بن دينار عن عن مجاهد قال : كان في ابن عباس بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية - قال الله تعالى : { كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء } فالعفو : أن تقبل الدية في العمد ذلك تخفيف من ربكم ورحمة .
قال : فعلى هذا أن يتبع بالمعروف ، وعلى ذلك أن يؤدي { إليه بإحسان } { فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم }
وبه يقول ، أبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأصحابهم . وأبو سليمان
وبه يقول وسائر أصحاب الحديث . إسحاق بن راهويه
فلما اختلفوا - كما ذكرنا نظرنا فيما احتجت به الطائفة الموجبة للأدب والنفي في ذلك ، فوجدناهم يقولون - أو من قال منهم - : قال الله تعالى : { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب }
قال : فشبه الله تعالى القتل بالزنى .
ووجدنا الزنى فيه الرجم على المحصن ، فإذا لم يكن محصنا سقط عنه العقل ووجب عليه مائة جلدة ونفي سنة .
قالوا : فالواجب على من قتل فسقط عنه القتل مثل ذلك أيضا جلد مائة ونفي سنة .
وذكروا : ما حدثناه أحمد بن عمر بن أنس العذري نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد نا محمد بن أحمد بن الجهم نا نا محمد بن عبدوس نا أبو بكر بن أبي شيبة عن إسماعيل بن عياش إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عمرو بن شعيب ، ، قال : وإبراهيم بن عبد الله بن حنين عمرو عن أبيه عن جده ، وقال إبراهيم عن أبيه عن - ثم اتفق علي بن أبي طالب ، وجد علي كلاهما [ ص: 100 ] قال : { عمرو بن شعيب } أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل عبده متعمدا ، فجلده مائة ، ونفاه سنة ، ومحا سهمه من المسلمين ، ولم يقد منه .
قال : ما لهم شبهة غير هذا إلا ما ذكرنا آنفا في صدر هذا الباب عن أبو محمد - رضي الله عنه - وكل هذا لا حجة لهم فيه . عمر بن الخطاب
أما تشنيعهم بذكر الله تعالى { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } الآية . وتنظيرهم ما يجب على القاتل بما يجب على الزاني ففاسد جدا وتحريف لكلام الله تعالى وحكمه عن مواضعه خطأ بحت من عدة وجوه :
أولها - أنه قياس ، والقياس كله باطل .
والثاني - أنه لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل ، لأن الله تعالى لم يسو قط بين القاتل والزاني في الحكم ، وإنما سوى بينهما في وعيد الآخرة فقط ، وليست أحكام الدنيا كأحكام الآخرة ، لأن من تاب من كل ذلك فقد سقط عنه الوعيد في الآخرة ، ولم يسقط عنه حكم الدنيا باتفاقهم معنا .
والثالث - أنه لا خلاف [ في أن حكم الزاني يراعي الإحصان في ذلك وعدم الإحصان ، ولا خلاف ] في أنه لا يراعى ذلك في القتل .
والرابع - أن حكم الزاني إذا وجب عليه القتل بلا خلاف ممن يعتد به القتل بالرجم خاصة ، وليس ذلك حكم القاتل إذا استقيد منه بلا خلاف ، إلا أن يكون قتل بحجر .
والخامس - أن الله تعالى قال في أول هذه الآية التي موهوا بإيراد بعضها دون بعض { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } فيلزمهم إذا ساووا بين حكم القاتل والزاني ، لأن الله تعالى قد ذكرهما معا في هذه الآية أن يساووا أيضا بين الكافر ، والقاتل ، والزاني ، لأن الله تعالى قد ذكرهم كلهم معا ، وساوى بينهم في وعيد الآخرة إلا من تاب ، فيلزمهم إذا [ ص: 101 ] أسلم الكافر ، والمرتد ، فراجع الإسلام أن يجلد مائة سوط وينفى سنة ، لأن القتل قد سقط عنه كما قد سقط عن القاتل المعفو عنه ، وعن الزاني غير المحض .
فإن قالوا : الإجماع منع ذلك . قيل لهم : فقد أقررتم بأن الإجماع منع من قياسكم الفاسد وأبطله .
فظهر فساد كلامهم هذا وبالله تعالى التوفيق .
وأما الخبر - الذي تعلقوا به - ففي غاية البطلان والسقوط ، لأنه عن - وهو ضعيف جدا - ولا سيما ما روي عن إسماعيل بن عياش الحجازيين ، فلا خير فيه عند أحد من أهل العلم .
ثم هو عن إسحاق بن عبد الله بن فروة وهو متروك الحديث - ولم يبق لهم إلا التعلق بما روينا في ذلك عن - رضي الله عنه - فنظرنا فيه ، فوجدناه لا حجة لهم فيه ، لأنه لا يصح عن عمر أبدا ، لأنه إما عن عمر : أن عمرو بن شعيب ، وإما عن عمر العباس بن عبد الله أن ، وكلاهما لم يولد إلا بعد موت عمر - رضي الله عنه - بدهر طويل . عمر
وأيضا - فقد صح عن خلافه ، وإذا صح الخلاف عن الصحابة - رضي الله عنهم - فليس قول بعضهم أولى من قول بعض ، فالواجب حينئذ الرجوع إلى ما أمر الله تعالى به عند التنازع ، إذ يقول تعالى { ابن عباس فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول }
فكل قول عري من الأدلة فهو باطل بيقين ، قال الله تعالى : { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين }
ثم نظرنا في قول من لم ير على المعفو عنه بالدية ، أو المفاداة ، أو العفو المطلق جلدا ولا نفيا - فوجدناهم يقولون : قال الله تعالى { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى [ ص: 102 ] بعد ذلك فله عذاب أليم } فأوجب الله تعالى نصا لا خفاء به : أن من قتل عمدا فوجب عليه القصاص في القتل ، ثم عفي عنه على مال ، فواجب على الولي العافي أن يتبع القاتل المعفو عنه بالمعروف ، وأوجب الله تعالى على القاتل المعفو عنه أن يؤدي ما عفي عنه عليه بإحسان وليس من المعروف والإحسان الضرب بالسياط ، والنفي عن الأوطان سنة .
ووجدناهم أيضا - يذكرون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { } إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام
فصح أن بشرة القاتل محرمة بتحريم الله تعالى فلا يحل جلده ، ولا نفيه ; إذ لم يوجب ذلك قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا دليل من الأدلة أصلا
وذكروا - ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج محمد بن حاتم نا سعيد بن سليمان نا نا هشيم إسماعيل بن سالم عن علقمة بن وائل بن الأوزاعي عن أبيه قال : { } فأتى رجل إلى الرجل فقال له مقالة النبي صلى الله عليه وسلم فخلى عنه - قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد قتل رجلا فأقاد ولي المقتول منه ، فانطلق به وفي عنقه نسعة يجرها ، فلما أدبر الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم القاتل والمقتول في النار إسماعيل بن سالم : فذكرت ذلك . فقال : حدثني لحبيب بن أبي ثابت ابن أشوع { } نا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سأله أن يعفو عنه فأبى : عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا محمد بن بشار نا عن يحيى بن سعيد القطان عوف بن أبي جميلة وجامع بن مطر الحبطي قال عوف : حدثني حمزة العائذي أبو عمر ، ثم اتفق جامع ، وحمزة ، كلاهما عن علقمة بن وائل بن حجر عن وائل قال { } : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم حين جيء بالقاتل يقوده ولي المقتول في نسعته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولي المقتول أتعفو عنه ؟ قال : لا ، قال له : أتأخذ الدية ؟ قال : لا ، قال : فتقتله ؟ قال : نعم ، قال : اذهب به . فلما تولى من عنده دعاه قال له : أتعفو عنه ؟ قال : لا ، قال له : فتأخذ الدية ؟ قال : لا ، قال : فتقتله ؟ قال : [ ص: 103 ] نعم ، قال : اذهب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : أما إنك إن عفوت عنه يبوء بإثمه وإثم صاحبك ، فعفا عنه وتركه ، قال : فأنا رأيته يجر نسعته
قال وقد ذكر هذين الحديثين فقال عن حديث يحيى بن سعيد القطان جامع : هو أحسن منه : يعني : أنه أحسن من حديث حمزة
قال : وهو كذلك ، لأن علي حمزة العائذي شيخ مجهول لا يعرف - قال ابن معين ، ولم يوثقه أحد نعلمه ; وأما جامع بن مطر فقال فيه : لا بأس به وما علمنا أحدا جرحه وقد روى عنه أئمة : أحمد بن حنبل يحيى ، وعبد الصمد بن عبد الوارث ، وحفص بن عمر الحوضي ، وغيرهم .
نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا نا عمرو بن منصور حفص بن عمر - هو الحوضي - نا جامع بن مطر عن علقمة بن وائل عن أبيه قال : { } كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا عنده إذ جاءه رجل في عنقه نسعة فقال يا رسول الله إن هذا وأخي كانا في جب يحفرانها ، فرفع المنقار فضرب به رأس صاحبه فقتله ؟ فقال ، رسول الله صلى الله عليه وسلم اعف عنه ، فأبى وقام فقال : يا نبي الله إن هذا وأخي كانا في بئر يحفرانها فرفع المنقار فضرب بها رأس صاحبه فقتله ؟ قال : اعف عنه فأبى ، ثم قال فقال : يا رسول الله هذا وأخي كانا في جب يحفرانها فرفع المنقار - أراه قال : فضرب به رأس صاحبه فقتله ، قال : اعف عنه فأبى ، قال : اذهب إن قتلته كنت مثله ، فخرج به حتى جاوز ، فناديناه : أما تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع فقال : إن قتلته كنت مثله ؟ قال : نعم ، اعف عنه ، فخرج يجر نسعته حتى خفي علينا
حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا عيسى بن يونس الفاخوري نا عن ضمرة عن عبد الله بن شوذب عن ثابت البناني { أنس } أن رجلا أتى بقاتل وليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : اعف عنه فأبى ، فقال : خذ الدية فأبى ، قال : اذهب فاقتله فإنك مثله ، فخلى سبيله ، فمر الرجل وهو يجر نسعته
قال : أما حديث أبو محمد إسماعيل بن سالم ، وجامع بن مطر ، كلاهما عن [ ص: 104 ] علقمة ، فجيدان تقوم الحجة بهما - وفي كليهما إطلاق القاتل المعفو عنه ، ومسيره حتى غاب عنهم ، وخفي عنهم ، لا ضرب ولا نفي .
فصح قول من رأى أن لا جلد على القاتل ولا نفي إذا عفي عنه .
وهو قول ، ولا يصح عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - خلاف له أصلا - وهذا مما يستشنعه المالكيون إذا وافق تقليدهم ، وإذا خالفه لم يبالوا به . ابن عباس
وأما قول بذلك في القسامة فما عرف قط عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - وبالله تعالى التوفيق . مالك