الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 74 ] مسألة : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان عن عوف قال : سمعت شيخا يحدث في المسجد فجلسته ، فقالوا : ذاك أبو المهلب عم أبي قلابة قال : رمى رجل رجلا بحجر في رأسه ، فذهب سمعه ، ولسانه ، وعقله ، ويبس ذكره فقضى فيه عمر بن الخطاب بأربع ديات .

                                                                                                                                                                                          قال علي : ليس عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - شيء في السمع غير هذا ، وهو لا يصح ، لأن أبا المهلب لم يدرك عمر أصلا ، ولا في السمع أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا صحيح ولا سقيم ، ولا يعرف فيه إيجاب الدية عن أحد من التابعين ، إلا قتادة وحده - وقد خالفه غيره - .

                                                                                                                                                                                          كما حدثنا حمام نا ابن مفرج عن ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : في ذهاب السمع خمسون .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى ابن جريج عن عطاء قال : لم يبلغني في السمع شيء وإنما جاء عن عمر بن عبد العزيز ، وإبراهيم النخعي ، وابن علاثة : اختيار دعواه في أنه ذهب سمعه فقط ، لا إيجاب دية أصلا ، ونذكره لئلا يموه به مموه : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال : ما اجتمع عليه لعمر بن عبد العزيز أن قال : لا أسمع في شيء يصاب به ، عمم به فاه ، ومنخريه ، فإن سمع صرير في الأذن فلا بأس .

                                                                                                                                                                                          وجاء إلى عمر بن عبد العزيز رجل فقال : ضربني فلان حتى صمت إحدى أذني ، فقال له : كيف تعلم ذلك ؟ قال : ادع الأطبة ؟ فدعاهم ، فشموها ، فقالوا للصماء : هذه الصماء .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال : بلغني عن إبراهيم ، وغيره قال : يختبر ، فينظر هل يسمع أم لا ؟

                                                                                                                                                                                          وعن عبد الرزاق عن معمر سألت ابن علاثة القاضي قلت : الرجل يدعي على الرجل أنه أصمه من ضربه ، كيف له أن يعلم ذلك ؟ قال : يلتمس - غفلاته فإن قدر على [ ص: 75 ] شيء وإلا استحلف ثم أعطي ، فإن ادعى صمما في إحدى أذنيه دون الأخرى ، فإنه بلغني أنه تحشى التي لم تصم ، وتلتمس غفلاته .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة ومالك ، والشافعي ، وأصحابهم : في ذهاب السمع الدية - وهذا لا نص فيه ، ولا إجماع ، لصحة وجود الخلاف كما ذكرنا ، وقال أبو حنيفة : في ذهاب الشم الدية .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا إيجاب شريعة - والشرائع لا يوجبها إلا الله تعالى في القرآن ، أو على لسان رسوله - عليه الصلاة والسلام - فلا شيء في ذهاب السمع بالخطأ ، لأن الأموال محرمة ، إلا بنص أو إجماع .

                                                                                                                                                                                          وأما في العمد ، فإن أمكن القصاص منه بمثل ما ضرب فواجب ، ويصب في أذنه ما يبطل سمعه ، مما يؤمن معه موته ، فهذا هو القصاص .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية