2096 - مسألة : من ؟ قال أمر غيره بقتل إنسان فقتله المأمور : اختلف الناس في هذا : فقالت طائفة : يقتل الآمر وحده . علي
وقالت طائفة : يقتل المأمور وحده .
وقالت طائفة : يقتلان جميعا .
وقالت طائفة : لا يقتل واحد منهما : فالقول الأول - كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز الحجاج بن المنهال نا عن حماد بن سلمة عن قتادة خلاس أن قال : إذا أمر الرجل عبده أن يقتل رجلا فقتله ، فهو كسيفه وسوطه . علي بن أبي طالب
أما السيد فيقتل - وأما العبد فيستودع في السجن .
ومن طريق عن عبد الرزاق قال : قلت ابن جريج : رجل أمر عبده فقتل رجلا ؟ فقال : على الآمر ، سمعت لعطاء يقول : يقتل الحر الآمر ، ولا يقتل العبد ، قال أبا هريرة : أرأيت لو أن رجلا بعث بهدية مع عبده إلى رجل ، من أهداها ؟ قال أبو هريرة : فقلت : فأجيره ؟ قال : ذلك مثل عبده ؟ قلت : فأمر رجلا حرا أو عبدا لا يملكه ، وليسا بأجيرين ، قال : على المأمور - إذا لم يملكهما - إذا أمر حرا فقتل رجلا ، فإنه يقتل القاتل وليس على الآمر شيء . [ ص: 165 ] ابن جريج
والقول الثاني - كما روينا من طريق نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع قال : سألت شعبة الحكم بن عتيبة ، وحماد بن أبي سليمان عن الرجل يأمر الرجل فيقتل ؟ فقالا جميعا : يقتل القاتل ، وليس على الآمر قود .
وبه - إلى نا وكيع عن سفيان الثوري عن جابر عامر الشعبي في الذي يأمر عبده فيقتل رجلا قال : يقتل العبد ؟ وللشعبي كلام آخر زائد ويعاقب السيد .
والقول الثالث - هو قول : أنهما يقتلان جميعا . قتادة
والقول الرابع - روينا عن سليمان بن موسى قال : لو أمر رجل عبدا له فقتل رجلا لم يقتل الآمر ، ولكن يديه ، ويعاقب ، ويحبس - فإن أمر حرا فإن الحر إن شاء أطاعه ، وإن شاء لا ، فلا يقتل الآمر .
وأما المتأخرون - فإن سفيان الثوري قال : يقتل العبد ، ويعاقب السيد الآمر - ولو أمر رجل صبيا بقتل إنسان فقتله الصبي ، فالدية في مال الصبي ، ويرجع بها على الذي أمره ولا يقتل الآمر .
وقال : إن أمر عبده بقتل إنسان قتل الآمر ، ويؤدب العبد - فإن أمر حرا فقتله قتل المأمور وحده - وبه قال أحمد بن حنبل إسحاق .
وقال ، أبو حنيفة في عبد محجور عليه أمر عبدا محجورا عليه أن يقتل رجلا فقتله ، فسيد القاتل بالخيار إن شاء دفع عبده إلى أولياء المقتول ، وإن شاء فداه ، فإن أعتق العبد الآمر رجع سيد المأمور عليه ، فأخذ منه قيمة عبده الذي أسلم ، أو الذي فداه . ومحمد بن الحسن
وقال : إذا أبو يوسف ، فإنه إذا أعتق الآمر لزمه المال المتلف بأمره ، ولم يلزمه الدم المتلف بأمره ، كما لو أقر بجناية ، أو دين في رقبة ثم أعتق فإن الدين يلزمه ولا تلزمه الجناية . أمر عبد عبدا بإتلاف نفس أو مال
وقال ، زفر ، في والحسن بن زياد ، فعلى عاقلة [ ص: 166 ] الصبي الدية ، ثم ترجع بها عاقلة الصبي على سيد العبد ، فيقال له : ادفع العبد إلى العاقلة أو افده بالدية . عبد أمر صبيا بقتل إنسان فقتله
وقال : إن الشافعي ، فإن كان العبد والصبي يميزان أنه أجنبي ، وأن طاعته ليست عليهما : عوقب الآمر ولا قود عليه ، ولا دية ، والقاتل هاهنا هو العبد أو الصبي ، قال : فإن كانا لا يميزان ذلك فعلى الآمر القود . أمر حر عبد غيره بقتل إنسان فقتله ، أو أمر بذلك صبيا أجنبيا فقتل
قال : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب علينا أن ننظر في ذلك : فنظرنا في قول أبو محمد ، وأصحابه ؟ فوجدنا لا حجة لهم في شيء منه ، بل هي أقوال متخاذلة . أبي حنيفة
ثم نظرنا في قول سفيان فوجدناه أيضا خطأ ، لأنه فرق بين السيد يأمر عبده بقتل إنسان فينفذ أمره ، فجعل العبد هو القاتل ، ولم ير السيد الآمر قاتلا .
وأما قول ، الشافعي ، وأحمد ، فداخلة في أقوال من ذكرنا قبل من الصحابة والتابعين ، فتركنا أن نخصها بالذكر اكتفاء بكلامنا في تلك الأقوال الأربعة - وبالله تعالى التوفيق . وأبي سليمان
وأما قول سليمان بن موسى " لا يقتل الآمر ولا المأمور " فخطأ ، لأن هاهنا قتل عمد ، وقد أوجب الله تعالى فيه القود .
وأما قول الحكم ، وحماد ، والشعبي ، ، وإبراهيم ، فإنهم احتجوا بأن القاتل هو المتولي للقتل المباشر للقتل ، فهو الذي عليه القود خاصة . وأبي سليمان
وأما قول ، علي - رضي الله عنهما - فإنهما جعلا الآمر هو القاتل ، فهو الذي عليه القود ، وجعلوا المأمور آلة له مصرفة - هذه حجتهم ؟ قال وأبي هريرة : وقدموه أصحاب القياس هاهنا بأن هذا القول من أبو محمد ، علي قياس - يعني قول وأبي هريرة : إن المأمور هو كسيف الآمر وسوطه . علي
وقول " أرأيت لو أرسل معه هدية ، من المهدي لها ؟ " . أبي هريرة
وهذا لا متعلق لهم به ، ولا هو من القياس ، لا في ورد ولا في صدر ، لأن [ ص: 167 ] القياس عند جميع القائلين به إنما هو حكم لمسكوت عنه بحكم منصوص عليه ، أو بحكم مختلف فيه بحكم مجمع عليه ، وأن يرد الفرع إلى الأصل بنوع من الشبه ، وليس هاهنا شيء من هذه الوجوه أصلا - فبطل بإقرارهم أن يكون قياسا ، إذ بيقين ندري أن المأمور ليس حكمه حكم السيف ، والسوط ، لأن رأى على المأمور السجن ، ولا خلاف في أنه لا سجن على السيف ، ولا السوط . عليا
فصح أنه لم يحكم قط للمأمور بالحكم في السيف ، والسوط ، فبطل الإيهام جملة . علي
وأما قول " أرأيت لو أهدى معه هدية ، من الذي أهداها ؟ " فكذلك أيضا ، وما حكم أبي هريرة قط للقاتل المأمور بمثل الحكم في حامل الهدية ، بل الحكم فيهما مختلف بلا خلاف ، لأن حامل الهدية ، ومهديها : يشكران ، والآمر ، والقاتل : يقتل ، ويلامان - وهذا لو كان قياسا لكان قياسا للشيء على ضده ، ولو كان قياسا لا يوجب اتفاقا في الحكم - وهذا هو ترك القياس حقا ، وإنما هو تشبيه فقط ؟ قال أبي هريرة : ثم نرجع إلى المسألة التي كنا فيها فنقول : إنهم لما اختلفوا - كما ذكرنا - وجب علينا أن نفعل ما افترض الله تعالى علينا ، إذ يقول تعالى { أبو محمد فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } ففعلنا فوجدنا ما روينا من طريق نا مسلم أبو الطاهر ، وحرملة ، قالا جميعا : نا أخبرني ابن وهب عن يونس ابن شهاب أخبرني أنه سمع عبيد الله بن عبد الله بن عتبة يقول : قال عبد الله بن عباس - وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله بعث عمر بن الخطاب محمدا بالحق ، فأنزل عليه الكتاب ، وكان مما أنزل الله عليه آية الرجم ، قرأناها ووعيناها وعقلناها ، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده . ومن طريق - أيضا - عن مسلم " أنه { أبي هريرة } . أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني زنيت فذكر الحديث - وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : هل أحصنت ؟ قال : نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فارجموه
وعن إبراهيم النخعي قال أراد أن يستعمل الضحاك بن قيس ، فقال له مسروقا عمارة بن عقبة : أتستعمل رجلا من بقايا قتلة عثمان ؟ فقال : حدثنا [ ص: 168 ] مسروق { عبد الله بن مسعود : فرضيت لك ما جعل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم مسروق } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل أبيك قال : من للصبية ؟ قال : النار ، قال
ومن طريق { مسلم } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقطع يد المرأة التي سرقت فقطعت يدها
قال : ففي هذه الأخبار : أن الآمر يسمى في اللغة [ التي بها نزل القرآن ] فاعلا في بعض الأحوال - على حسب ما جاءت به اللغة - فسمى علي بحضرة الصحابة - وهم الحجة في اللغة - من أمر برجم آخر فرجم - راجما للمرجوم . وسمى أيضا نفسه - راجما - وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم راجما - وهو لم يحضر رجما - : كما نا عمر بن الخطاب عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا حمد بن سليمان الرهاوي نا نا يزيد بن هارون محمد بن عمرو عن عن أبي سلمة قال : { أبي هريرة } . جاء ماعز بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني قد زنيت ؟ فذكر الحديث - وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : انطلقوا به فارجموه ، فانطلقوا به ، فلما مسته الحجارة أدبر يشتد ، فلقيه رجل في يده لحي جمل فضربه فصرعه ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فراره حين مسته الحجارة ؟ فقال : فهلا تركتموه ؟
قال : وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه - قاطعا يد السارق - وإنما تولى القطع غيره - ولا يختلف اثنان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل أبو محمد عقبة بن أبي معيط ، وإنما تولى قتله غيره بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهكذا جاء عن - رضي الله عنه - كما روينا عن علي الشعبي أن جلد عليا شراحة يوم الخميس ، ورجمها يوم الجمعة ، وقال : جلدتك بكتاب الله ، ورجمتك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : فإذ من أمر بالقتل وكان متولي القتل مطيعا للآمر منفذا لأمره ، ولولا أمره إياه لم يقتله يسمى في اللغة والشريعة - قاتلا - وقاطعا - صح أنهما جميعا قاتلان ، وقاطعان ، وجالدان ، فإذ ذلك كذلك فعليهما جميعا ما على القاتل ، والقاطع ، والجالد ، من القود ، وسواء في ذلك المكره ، والآمر ، والمنطاع - وهذا برهان ضروري لا محيد عنه . علي
[ ص: 169 ] قال : فسواء أمر عبده ، أو عبد غيره ، أو صبيا ، أو بالغا ، أو مجنونا - إذا كان متولي القتل ، أو الجناية بالقطع ، أو الكسر ، أو الضرب أو أخذ المال : إنما فعل ذلك بأمر الآمر - ولولا أمره لم يفعله - فالآمر ، والمباشر : فاعلان لكل ذلك جميعا . أبو محمد
وأما إذا أمره ففعل ذلك باختياره طاعة للآمر : فالمباشر وحده : القاتل ، والقاطع والكاسر ، والفاقئ ، والجاني : فعليه القود وحده ، ولا شيء على الآمر ، لأنه لا خلاف في أنه لا يقع عليه هاهنا اسم - قاتل ، ولا قاطع ، ولا جالد ، ولا كاسر ولا فاقئ - وإنما الأحكام للأسماء فقط .
أما الصبي ، والمجنون : فلا شيء عليهما ، والآمر - هو القاتل ، القاطع ، الجالد ، الكاسر ، الفاقئ : فالقود عليه وحده .
وأما من أمر عبدا له ، أو لغيره ، أو حرا ، وكانوا جهالا لا يدرون تحريم ما أمرهم به : فالآمر وحده هو القاتل الجاني في كل ذلك - وعليه القود ، ولا شيء على الجاهل ، قال الله تعالى { لأنذركم به ومن بلغ } .
قال : ولا فرق بين أمره عبده ، وبين أمره غيره - ولا فرق بين أمر السلطان وبين أمر غير السلطان ، لأن الله تعالى إنما افترض طاعة السلطان وطاعات السادات فيما هو طاعة لله تعالى ، وحرم طاعة المخلوقين في معصية الخالق ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبو محمد } . إنما الطاعة في الطاعة ، فإذا أمر أحدكم بمعصية فلا سمع ولا طاعة
وقد أوردناه بإسناده في غير ما موضع .
قال : ومن علي فإن كان فعل ذلك مطيعا للأمر ولولا ذلك لم يقتل نفسه فالآمر قاتل وعليه القود كما قلنا في قتل غيره ولا فرق - فلو أمره فقال : اقتلني ، فقتله مؤتمرا لأمره فهو أيضا قاتل ، وعليه القود - وبالله تعالى التوفيق . أمر آخر بقتل نفسه فقتل نفسه بأمره