2188 - مسألة : ؟ قال حد المماليك رحمه الله : الحدود كلها أربعة أقسام لا خامس لها : إما إماتة بصلب ، أو بقتل بسيف ، أو برجم بالحجارة ، وما جرى مجراها - وإما نفي - وإما قطع - وإما جلد أبو محمد
وجاء النص وإجماع الأمة كلها على أن في بعض وجوه الجلد - وهو الزنى مع الإحصان خاصة - : نصف حد الحر والحرة في ذلك حد المملوكة الأنثى
واتفقوا كلهم مع النص : أن كحد الأحرار - وجاء النص أيضا في النفي الذي ليس له أمر سواه حد المماليك في القتل والصلب
واختلفوا فيما عدا ذلك على ما نذكره إن شاء الله تعالى : فذهبت طائفة إلى أن حد الإماء ، والعبيد - فيما عدا ما ذكرنا ، ولا نحاش شيئا - كحد الأحرار سواء سواء ، وهو قول أصحابنا
وقالت طائفة : كله - على النصف من حد الأحرار والحرائر - وحد العبيد ، والإماء في القطع كحد الأحرار والحرائر - فاختلف [ ص: 69 ] هؤلاء : فطائفة تقول به في الأحرار ، ولا تقول به في العبيد ، والنساء ، والإماء ، والحرائر حد العبيد ، والإماء - في الجلد
فالذين يقولون بالنفي المؤقت جملة اختلفوا : فطائفة جعلت حد الإماء والعبيد فيه نصف حد الحر والحرة - وهو قول ، وأصحابه الشافعي
وطائفة جعلت فيه حد الإماء خاصة على النصف من حد الحرائر ، وجعلت فيه حد العبيد كحد الأحرار - وهو قول ، وأصحابنا أبي سليمان
أما الطائفة التي لا تقول بالنفي المؤقت ، فهم : ، وأصحابه أبو حنيفة
وأما الطائفة التي قالت به في الأحرار خاصة ، ولم يقولوا به في العبيد ، ولا في الإماء ، ولا في الحرائر ، فهم : ، وأصحابه مالك
وقالت طائفة : حد العبيد ، والإماء في جلد الزنى على نصف حد الأحرار والحرائر ، وحد العبيد ، والإماء في القذف كحد الحر ، والحرة - وهو قول روي عن ، وغيره عمر بن عبد العزيز
قال رحمه الله : والذي نقول به إنه حد المماليك ذكورهم ، وإناثهم في الجلد ، والنفي المؤقت ، والقطع : على النصف من حد الحر والحرة - وهو كل ما يمكن أن يكون له نصف أبو محمد
وأما ما لا يمكن أن يكون له نصف من القتل بالسيف ، أو الصلب ، أو النفي الذي لا وقت له : فالمماليك ، والأحرار فيه سواء
قال رحمه الله : فأما أقوال من ذكرنا فالتناقض فيها ظاهر لا خفاء به ، وما نعلم لهم شبهة أصلا ، وسنذكر أقوالهم إن شاء الله تعالى - إلا أن يقول قائل : إن القطع لا يمكن تنصيفه ، فهو خطأ من قبل الآثار ، ومن قبل الحس والمشاهدة أبو محمد
فأما من قبل الحس والمشاهدة : فإن اليد معروفة المقدار ، فقطع نصفها ممكن ظاهر بالعيان - وهو قطع الأنامل فقط ويبقى الكف - وقد وجدناهم يوقعون على الأنامل خاصة حكم اليد ، فلا يختلفون فيمن قطعت أنامله كلها أن له دية يد ، فمن قطع الأنامل خاصة فقد وافق النص ، لأنه قطع ما يقع عليه اسم يد - كما أمره الله تعالى - [ ص: 70 ] وقطع نصف ما يقطع من الحر ; كما جاء النص أيضا على ما نذكره - وكذلك الرجل أيضا لها مقدار معروف ، فقطع نصفها ممكن - وهو قطعها من وسطها مع الساق فقط
وأما من طريق الآثار : فحدثنا حمام نا نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي الدبري نا عن عبد الرزاق عن معمر أن قتادة كان يقطع اليد من الأصابع والرجل من نصف القدم علي بن أبي طالب
وبه - إلى عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري أبي المقدام ، قال : أخبرني من رأى يقطع يد رجل من المفصل علي بن أبي طالب
وبه - إلى عن عبد الرزاق عن ابن جريج عمرو بن دينار ، قال : كان يقطع القدم من مفصلها ، وكان عمر بن الخطاب يقطع القدم - قال علي : أشار لي ابن جريج عمرو إلى شطرها
قال رحمه الله : فإذ قد جاء النص عن أبو محمد - رضي الله عنه - قطع اليد من المفصل ، وقطعها من الأصابع : فالواجب حمل ذلك على خلاف التناقض الذي لا وجه له ، لكن على أن ذلك في حالين مختلفين ، وهكذا القول في القدم أيضا علي
قال رحمه الله : والقوم أصحاب قياس بزعمهم ، وقد صح النص والإجماع على أن أبو محمد نصف حد الحرة المحصنة ، وصح النص والإجماع أن حد الأمة المحصنة في الزنى بالسيف ، والصلب : كحد الحر - وكذلك في النفي غير المؤقت ، فكان يلزمهم على أصولهم التي ينتمون إليها في القول بالقياس على أن يجعلوا ما اختلف فيه من القطع مردودا إلى أشبه الجنسين به حد العبد في القتل
فهذه عمدتهم التي اتفقوا عليها في القياس ، فإذا فعلوا هذا وجب أن يكون القطع مقيسا على الجلد ، لا على القتل ، ولا على النفي غير المؤقت ، وذلك أن القتل لا يتنصف ، وكذلك النفي غير المؤقت
وأما الجلد فيتنصف والقطع يتنصف فكان قياس ما يتنصف على ما يتنصف أولى من قياس ما يتنصف على ما لا يتنصف - هذا أصح قياس لو صح شيء من القياس يوما ما
قال رحمه الله : فنظرنا في ذلك ليلوح الحق من ذلك فنتبعه [ ص: 71 ] فوجدناهم يقولون : قال الله تعالى في الإماء { أبو محمد فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } فكان هذا من الله تعالى لا يحل خلافه ، وقال تعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } ولم يخص الله تعالى من ذلك إلا الإماء فقط { وما كان ربك نسيا } وأبقى العبيد فلم يخص كما خص الإماء " ومن الباطل أن يريد الله تعالى أن يخص العبيد مع الإماء فيقتصر على ذكر الإماء ويمسك عن ذكر العبيد ويكلفنا من ذلك علم الغيب ومعرفة ما عنده مما لم يعرفنا به ، حاشا لله تعالى من هذا
وكذلك قال الله عز وجل { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } فلم يخص تعالى هاهنا أمة من حرة ، ولا عبدا من حر
ومن الباطل أن يريد الله تعالى أن لا تجلد العبيد والإماء في القذف ثمانين جلدة ، ويكون أقل من ذلك ، ثم يأمرنا بجلد من قذف ثمانين جلدة ، ولا يبين ذلك لنا ، أفي حر دون عبد ؟ وفي حرة دون أمة ؟ وهذا خلاف قوله تعالى { ما فرطنا في الكتاب من شيء }
وقوله تعالى { تبيانا لكل شيء }
وقد قال الله تعالى { تلك حدود الله فلا تعتدوها }
فكان حد القذف من حدود الله تعالى ، وحد الزنى من حدود الله تعالى فلا يحل أن يتعدى ما حد الله تعالى منها ؟ وحد الله تعالى في القذف ثمانين ، وفي الزنى مائة ، فلا يحل لأحد أن يتعدى ما حد الله تعالى في أحدهما إلى ما حد الله تعالى في الآخر
فواضح بلا شك أن حمل أحدهما على الآخر في عبد ، أو أمة ، أو حر ، أو حرة : فقد تعدى حدود الله ، وسوى ما خالف الله تعالى بينهما
وقال الله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } فقلتم : إن [ ص: 72 ] الحر ، والعبد ، والأمة سواء ، فأين زهق عنكم قياسكم الذي خالفتم به القرآن في حد العبد القاذف ، والأمة القاذفة ؟ ومن أين وجب أن تستسهلوا مخالفة قول الله تعالى { فاجلدوهم ثمانين جلدة } قياسا على قوله تعالى { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } وعظم عندكم أن تخالفوا قوله { فاقطعوا أيديهما } قياسا على قوله { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } إن هذا لعجب جدا ؟ قال أصحابنا : ووجدنا الله تعالى يقول { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا } فكان من المحال أن يريد الله تعالى أن يكون حكم العبد والأمة في ذلك بخلاف حكم الحر والحرة ثم لا يبينه ؟ هذا أمر قد تيقنا أن الله تعالى لا يكلفنا إياه ، ولا يريده منا ؟
قالوا : ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { } وجلد في الخمر حدا مؤقتا ولم يخص - عليه السلام - بذلك الحكم حرا من عبد ، ولا حرة من أمة - وهو المبين عن الله تعالى ؟ إذا شرب فاجلدوه
قال رحمه الله : كل ما ذكره أصحابنا فهو حق صحيح - إن لم تأت سنة ثابتة تبين صحة ما ذهبنا إليه - وأما إن جاءت سنة صحيحة توجب ما قلناه ، فالواجب الوقوف عند ما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين لنا مراد ربنا تعالى ، فنظرنا في ذلك : فوجدنا ما ثناه أبو محمد عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن علية نا نا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عكرمة عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ابن عباس } إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه
حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عيسى الدمشقي نا أنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة قتادة قال وأيوب السختياني عن [ ص: 73 ] قتادة عن خلاس بن عمرو ، وقال علي بن أبي طالب أيوب عن عكرمة عن ، ثم اتفق ابن عباس ، علي ، كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { وابن عباس } . المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ويقام عليه الحد بقدر ما عتق منه ويرث بقدر ما عتق منه
قال رحمه الله : هذا إسناد عجيب ، كأن عليه من شمس الضحى نورا ، ما ندري أحدا غمزه بشيء إلا أن بعضهم ادعى أن أبو محمد وهيبا أرسله . قال رحمه الله : فكان ماذا إذا أرسله أبو محمد وهيب ؟ قد أسند حكم المكاتب فيما ذكرنا ، وفي ديته ، حماد بن سلمة عن وحماد بن زيد أيوب ، وأسنده علي بن المبارك عن ويحيى بن أبي كثير عكرمة عن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابن عباس
وأيضا : فإن الحنفيين ، والمالكيين ، متفقون على أن المرسل كالمسند ولا فرق ، فعلى قولهم ما زاده إرسال إلا قوة ، فإذ قد صح ، وثبت فقد وجب ضرورة بنص حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حدود المماليك جملة عموما لذكورهم وإناثهم : مخالفة لحكم حدود الأحرار عموما لذكورهم وإناثهم ، وإذ ذلك كذلك فلا قول لأحد من الأمة إلى أن حد المماليك على النصف من حدود الأحرار ، فكان هذا واجبا القول به ، وبهذا نقول - وبالله تعالى التوفيق وهيب بن خالد