2194 - مسألة : ؟ قال هل يجلد المريض الحدود أم لا ؟ وإن جلدها كيف يجلدها رحمه الله : اختلف الناس في هذا : فقالت طائفة : يعجل له ضرب الحد - كما أنا أبو محمد محمد بن سعيد بن نبات أنا أحمد بن عبد البصير أنا أنا قاسم بن أصبغ محمد بن عبد السلام الخشني أنا أنا محمد بن المثنى أنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبيه أن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أتي برجل يشرب الخمر - وهو مريض - فقال : أقيموا عليه الحد ، فإني أخاف أن يموت [ ص: 87 ] عمر بن الخطاب
قال رحمه الله : فاحتمل هذا أن يكون إشفاق أبو محمد - رضي الله عنه - من أن يموت قبل أن يضرب الحد فيكون معطلا للحد عمر
واحتمل أيضا : من أن يكون يصيبه موت منه ، فنظرنا في ذلك ، فوجدنا محمد بن سعيد أيضا - قال : أنا عبد الله بن نصر أنا أنا قاسم بن أصبغ أنا ابن وضاح أنا موسى بن معاوية أنا وكيع سفيان فذكر هذا الخبر ، وفيه : أن قال : اضربوه لا يموت عمر
فبين هذا أن إشفاق كان من كلا الأمرين عمر
قال رحمه الله : فإذا كان هذا ، فقد ثبت أنه أمر بأن يضرب ضربا لا يموت منه أبو محمد
وبه - إلى أنا وكيع سفيان عن عن ابن جريج عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه : أنه كان يبر نذره بأدنى الضرب
وبه - إلى أنا وكيع سفيان عن عن ابن جريج : الضغث للناس عامة ، في قوله تعالى { عطاء وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث }
أنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود أنا أحمد بن دحيم أنا أنا إبراهيم بن حماد أنا إسماعيل بن إسحاق عن أخيه عن إسماعيل بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن غلام لهم يفهم قال : أخبرني ذلك الغلام أن هشام بن عروة حلف ليضربني كذا وكذا ضربة ، فأخذ بيده شماريخ فضربني بها جميعا عروة
وبه - إلى نا إسماعيل أنا محمد بن عبيد عن محمد بن ثور عن معمر في قوله تعالى { قتادة وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث } قال : عودا فيه تسعة وتسعون عودا ، والأصل تمام المائة ، فضرب به امرأته ، وكان حلف ليضربنها ، فكانت الضربة تحلة ليمينه ، وتخفيفا عن امرأته - وهو قول الشافعي
وقالت طائفة : يؤخر جلده حتى يبرأ - وهو قول مالك
وجاء عن في الآية المذكورة : ما ناه مجاهد يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود بالإسناد المذكور إلى أنا إسماعيل بن إسحاق علي بن عبد الله أنا سفيان عن ابن أبي نجيح [ ص: 88 ] عن في قوله تعالى { مجاهد وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث } قال : هي لأيوب خاصة - وقال : هي للناس عامة عطاء
قال رحمه الله : فلما اختلفوا نظرنا في ذلك لنعلم الحق فنتبعه - بعون الله تعالى - فوجدنا الطائفة المانعة من إقامة الحد عليه - حتى يبرأ - يحتجون : بما ناه أبو محمد حمام أنا عباس بن أصبغ أنا محمد بن عبد الملك بن أيمن أنا أنا أبي أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل غندر أنا قال : سمعت شعبة عبد الأعلى التغلبي يحدث عن أبي جميلة عن { علي بن أبي طالب النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له : دعها حتى تلد - أو قال حتى تضع ثم اجلدها علي } أن أمة زنت فحملت ، فأتى
وبه - إلى أنا أحمد بن حنبل أنا وكيع سفيان عن عبد الأعلى التغلبي عن أبي جميلة الطهوي عن { علي } أن خادما للنبي صلى الله عليه وسلم أحدثت فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقيم عليها الحد فأتيتها فوجدتها لم تجف من دمها فأتيته فأخبرته فقال : إذا جفت من دمها فأقم عليها الحد أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم
قالوا : فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعجل جلد الخادم الحامل حتى تضع فتجلد الحد الذي أمر الله تعالى به - وكذلك التي لم تجف من دمها حتى يجف عنها دمها
ثم نظرنا في قول الطائفة الثانية الموجبة تعجيل الحد على حسب ما يؤمن به الموت ، فوجدناهم يذكرون : ما ناه عبد الله بن ربيع أنا محمد بن معاوية أنا أحمد بن شعيب أنا أحمد بن يوسف النيسابوري ، ومحمد بن عبيد الله بن يزيد بن إبراهيم الحراني - واللفظ له - قال : أنا أحمد أحمد بن سليمان ، وقال محمد بن عبيد الله : حدثني أبي ثم اتفق أحمد بن سليمان ، وعبيد الله بن يزيد : قالا : أنا عبد الله بن عمرو - هو الرقي - عن عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي حازم قال { سهل بن سعد } : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد زنى ، فأمر به فجرد ، فإذا رجل مقعد ، حمش الساقين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبقي الضرب من هذا شيئا ، فدعا بأثاكيل فيها مائة شمروخ ، فضربه بها ضربة واحدة
[ ص: 89 ] أنا حمام أنا عباس بن أصبغ أنا محمد بن عبد الملك بن أيمن أنا يزيد بن محمد العقيلي بمكة أنا عبد الرحمن بن حماد الثقفي أنا عن الأعمش الشعبي عن علقمة عن قال { ابن عباس : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة ضعيفة لا تقدر أن تمتنع ممن أرادها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ممن ؟ قالت : من فلان ، فذكرت رجلا ضعيفا أضعف منها ، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجيء به فسأله عن ذلك ؟ فأقر مرارا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا أثاكيل مائة فاضربوه بها مرة واحدة } .
قال رحمه الله : حديث أبو محمد سهل بن سعد صالح تقوم به الحجة ، فإن قيل : إن هذا الخبر المعروف فيه : كما أنا إسرائيل عبد الله بن ربيع أنا محمد بن معاوية أنا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن وهب الحراني أنا محمد بن سلمة ني أبو عبد الرحيم - هو خال محمد بن سلمة - حدثني - عن زيد - هو ابن أبي أنيسة عن أبي حازم قال { أبي أمامة بن سهل بن حنيف } وهي : شماريخ النخل الذي يكون فيها العروق : جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية - وهي حبلى - فسألها ممن حملك ؟ فقالت : من فلان المقعد ، فجيء بفلان ، فإذا رجل حمش الجسد ضرير ، فقال : والله ما يبقي الضرب من هذا شيئا ، فأمر بأثاكيل مائة فجمعت ، فضرب بها ضربة واحدة
وفي آثار كثيرة يطول ذكرها جدا ، فتركناها لذلك ؟ قال رحمه الله : فلما جاءت الآثار كما ذكرنا : وجب أن ننظر في ذلك ؟ فوجدنا حديث أبو محمد أبي جميلة عن صحيحا إلا أنه لا حجة لهم فيه أصلا ، لأنه إنما فيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر الحد عن الحمل ، وعن التي لم تجف من دمها - وهذا ليس مما نحن فيه في شيء ، لأن الحامل ليست مريضة ، وإنما خيف على جنينها الذي لا يحل هلاكه ، وحكم الصحيح أن تجلد بلا رأفة ، وحكم الجنين أن لا يتوصل إلى إهلاكه : فوجب تأخير الجلد عنها جملة ، كما يؤخر الرجم أيضا من أجله علي
وأما التي لم تجف من دمها : فإن هذا كان إثر الولادة ، وفي حال سيلان الدم ، وهذا شغل شاغل لها ، ومثلها أن لا تجلد في تلك الحال ، كمن ذرعه القيء ، أو هو [ ص: 90 ] في حال الغائط ، أو البول ، ولا فرق ، وانقطاع ذلك الدم قريب ، إنما هي ساعة أو ساعتان - ولم يقل في الحديث إذا طهرت ، إنما قال : إذا جفت من دمها
فبطل أن يكون لهم في شيء من ذينك الحديثين متعلق أصلا
فإذ قد سقط أن يكون لتلك الطائفة متعلق ، فالواجب أن ننظر - بعون الله فيما قالت به الطائفة الأخرى : فنظرنا في الحديث الذي أوردنا من جلد المزمن المريض بشماريخ فيها مائة عثكول : فوجدنا الطريق الذي صدرنا به من طريق طريقا جيدا تقوم به الحجة ، ووجدناهم يحتجون بأمر سهل بن سعد أيوب صلى الله عليه وآله وسلم
وقال رحمه الله : أما نحن فلا نحتج بشريعة نبي غير نبينا صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى { أبو محمد لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا }
ولما قد أحكمنا في كتابنا الموسوم ب " الإحكام لأصول الأحكام "
قال رحمه الله : وحتى لو لم يصح في هذا حد ، لكان قول الله تعالى : { أبو محمد لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } موجبا أن لا يجلد أحد إلا على حسب طاقته من الألم ، وكان نصا جليا في ذلك لا يجوز مخالفته أصلا .
وبضرورة العقل ندري أن ابن نيف وثلاثين قوي الجسم ، مصبر الخلق ، يحمل من الضرب من قوته ما لا يحمله الشيخ ابن ثمانين ، والغلام ابن خمسة عشر عاما ، - وأربعة عشر عاما - إذا بلغ - وأصاب حدا
وكذلك يؤلم الشيخ الكبير ، والغلام الصغير ، من الجلد ما لا يؤلم ابن الثلاثين الشاب القوي ، بل لا يكاد يحس إلا حسا لطيفا ما يؤلم ذينك الألم الشديد وأن الذي يؤلم الشاب القوي ، لو قوبل به الشيخ الهرم ، والصغير النحيف ، من الجلد لقتلهما ، هذا أمر لا يدفعه إلا مدافع للحس والمشاهدة
ووجدنا المريض يؤلمه أقل شيء مما لا يحسه الصحيح أصلا ، إلا كما يحس بثيابه التي ليس لحسه لها في الألم سبيل أصلا ، وعلى حسب شدة المرض يكون تألمه للكلام ، وللتلف ، وللمس اليد بلطف ، هذا ما لا شك فيه أصلا [ ص: 91 ]
ومن كابر هذا فإنما يكابر العيان ، والمشاهدة ، والحس
فوجدنا ، لا بد فيه من أحد أمرين لا ثالث لهما : إما أن يعجل له الحد ، وإما أن يؤخر عنه ؟ فإن قالوا : يؤخر ؟ قلنا لهم : إلى متى ؟ فإن قالوا : إلى أن يصح ؟ قلنا لهم : ليس هذا أمد محدود ، وقد تتعجل الصحة ، وقد تبطئ عنه ، وقد لا يبرأ ، فهذا تعطيل للحدود ، وهذا لا يحل أصلا ، لأنه خلاف أمر الله تعالى في إقامة الحدود ، فلم يبق إلا تعجيل الحد كما قلنا نحن ، ويؤكد ذلك قول الله تعالى { المريض إذا أصاب حدا من زنى ، أو قذف ، أو خمر وسارعوا إلى مغفرة من ربكم }
فصح أن الواجب أن يجلد كل واحد على حسب وسعه الذي كلفه الله تعالى أن يصبر له ، فمن ضعف جدا جلد بشمراخ فيه مائة عثكول جلدة واحدة ، أو فيه ثمانون عثكالا كذلك - ويجلد في الخمر وإن اشتد ضعفه بطرف ثوب : على حسب طاقة كل أحد ولا مزيد - وبهذا نقول ونقطع : أنه الحق عند الله تعالى بيقين ، وما عداه فباطل عند الله تعالى - وبه التوفيق