( قال : ) وإذا على ما قلنا ، فإن كانت إحداهن كتابية ، أو أمة قد بوأها مولاها معه بيتا فرض عليه لكل واحدة منهن ما يكفيها ولا تزاد الحرة المسلمة على الأمة والذمية شيئا ; لأن النفقة مشروعة للكفاية وهذا لا يختلف باختلاف الدين ولا باختلاف الحال في الرق والحرية ، فإن فرض ذلك وهو معسر وعلم القاضي ذلك منه أمرهن بالاستدانة عليه ففي هذا يعتدل النظر من الجانبين ، وإن كان لرجل نسوة فرضت النفقة لهن عليه بحسب الكفاية ، فقد كان كان الزوج غائبا رحمه الله تعالى يقول : أولا يأمرهن بالاستدانة عليه إذا كان يعلم النكاح بينه وبينهن وهو قول أبو حنيفة رحمه الله تعالى كما يفعل ذلك عند حضرته ، ثم رجع فقال : لا يأمر بذلك وهو قولهما ; لأن فيه قضاء على الغائب وليس له ذلك ، وإن أمرهن بالاستدانة فلم يجدن ذلك لم يفرق بينه وبينهن ولم يجبره على طلاقهن عندنا . وعند زفر رحمه الله تعالى يفرق بينه وبينهن إذا طلبن ذلك ، لقوله تعالى { الشافعي فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } والمعروف في الإمساك أن يوفيها حقها من المهر والنفقة فإذا عجز عن ذلك تعين التسريح بالإحسان ، وهو المعنى في ذلك ، فإن المستحق عليه أحد الشيئين فإذا تعذر أحدهما تعين الآخر .
ألا ترى أنه إذا عجز عن الوصول إليها بسبب الجب والعنة فرق بينهما لفوات الإمساك بالمعروف بل أولى ; لأن حاجتها إلى النفقة أظهر من حاجتها إلى قضاء الشهوة ، ولكن لما تعين التفريق لإيصالها إلى حقها من جهة عسره فرق القاضي بينهما ، فكذلك هنا تعين التفريق لإيصالها إلى حقها من جهة غيره ، وبه فارق المهر والنفقة المجتمعة عليه ، فإن التفريق ليس بطريق لإيصالها إلى ذلك الحق من جهة غيره .