[ ص: 235 ] باب صلاة المسافر
قال : رضي الله تعالى عنه ( وأقل إذا قصد مسيرة ثلاثة أيام ) وفسره في الجامع الصغير بمشي الأقدام وسير الإبل فهو الوسط ; لأن أعجل السير سير البريد ، وأبطأ السير سير العجلة ، وخير الأمور أوسطها ، وهذا مذهب ما يقصر فيه الصلاة في السفر رضي الله تعالى عنهما ، وإحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وعنه في رواية أخرى التقدير بيوم وليلة ، وهو قول ابن عمر الزهري والأوزاعي رحمهما الله تعالى ، وقال رضي الله تعالى عنه أربعة برد كل بريد اثنا عشر ميلا ، واستدل بحديث مالك مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { وعطاء مكة لا تقصروا الصلاة فيما دون مكة إلى عسفان ، وذلك أربعة برد } ، وقال يا أهل رضي الله تعالى عنه في قول : التقدير بيوم وليلة ، وفي قول : التقدير بستة وأربعين ميلا لحديث الشافعي رضي الله تعالى عنه قال : سألت مجاهد رضي الله تعالى عنه عن أدنى مدة السفر ، فقال : أتعرف ابن عمر السويداء فقلت : قد سمعت بها ، فقال : كنا إذا خرجنا إليها قصرنا ، ومن السويداء إلى المدينة ستة وأربعون ميلا ، وقال : نفاه القياس لا تقدير لأدنى مدة السفر لظاهر قوله تعالى { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح } الآية ، فإثبات التقدير يكون زيادة ولكنا نقول : ثبت بالنص أن المراد السفر ، وقد قال في آية أخرى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر } والخارج إلى حانوت أو إلى ضيعة لا يسمى مسافرا ، فلا بد من إثبات التقدير لتحقيق اسم السفر .
وإنما قدرنا بثلاثة أيام لحديثين : أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم { } معناه ثلاثة أيام ، وكلمة فوق صلة كما في قوله تعالى : { لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام ولياليها إلا ومعها زوجها أو ذو رحم محرم منها فاضربوا فوق الأعناق } وهي لا تمنع من الخروج لغيره بدون المحرم ، وقال صلى الله عليه وسلم : { } فهو تنصيص على أن مدة السفر لا تنقص عما يمكن استيفاء هذه الرخصة فيها ، والمعنى فيه أن التخفيف بسبب الرخصة لما فيه من الحرج والمشقة ، ومعنى الحرج والمشقة أن يحتاج إلى أن يحمل رحله من غير أهله ويحطه في غير أهله ، وذلك لا يتحقق فيما دون الثلاثة ; لأن في اليوم الأول يحمل رحله من غير أهله ، وفي اليوم الثاني إذا كان مقصده يحطه في أهله ، وإذا كان التقدير بثلاثة أيام ففي اليوم الثاني يحمل رحله من غير أهله ، ويحطه في غير أهله ، فيتحقق معنى الحرج ، فلهذا قدرنا بثلاثة أيام ولياليها ولهذا قدر [ ص: 236 ] بعض أصحابنا بثلاث مراحل ; لأن المعتاد من السفر في كل يوم مرحلة واحدة خصوصا في أقصر أيام السنة ، وعن يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها رحمه الله تعالى أنه قدر بيومين والأكثر من اليوم الثالث ، فأقام الأكثر من اليوم الثالث مقام الكمال ، وهكذا رواه أبي يوسف الحسن عن رحمه الله تعالى أبي حنيفة عن ، وابن سماعة رحمهما الله تعالى ; لأنه إذا بكر واستعجل في اليوم الثالث وصل إلى المقصد قبل غروب الشمس فأقمنا الأكثر من اليوم الثالث مقام الكمال ، ولا معنى للتقدير بالفراسخ ، فإن ذلك يختلف باختلاف الطرق في السهول والجبال والبحر والبر ، وإنما التقدير بالأيام والمراحل ، وذلك معلوم عند الناس فيرجع إليهم عند الاشتباه ، فإذا قصد مسيرة ثلاثة أيام قصر الصلاة حين تخلف عمران المصر ; لأنه مادام في المصر فهو ناوي السفر لا مسافر ، فإذا جاوز عمران المصر صار مسافرا لاقتران النية بعمل السفر ، والأصل فيه حديث محمد رضي الله تعالى عنه حين خرج من علي البصرة يريد الكوفة صلى الظهر أربعا ثم نظر إلى خص أمامه فقال : لو جاوزنا ذلك الخص صلينا ركعتين .