وإذا فهو جائز على ما اشترطا وإنما يعني خراج المقاسمة ، وللإمام رأي في الخراج بين خراج المقاسمة وبين خراج الوظيفة ، وخراج المقاسمة جزء من الخارج حتى لا يجب إلا بوجود حقيقة الخارج بخلاف خراج الوظيفة ، فكان ذلك بمنزلة العشر عند دفع إلى رجل أرضا من أرض الخراج يزرعها بنفسه وبذره وبقره فما خرج منها دفع منه حظ السلطان وهو النصف مما تخرج وكان ما بقي بينهما لرب الأرض ثلثه ، وللعامل الثلثان ، وهو على رب الأرض فالمشروط لخراج المقاسمة كالمشروط لرب الأرض ، وهذا الشرط لا يؤدي إلى قطع الشركة وعندهما خراج المقاسمة في الخارج فيكون عليهما على قدر الخارج بينهما ، فكأنهما شرطا الثلث والثلثين في جميع الخارج فيصح العقد ، فإن أخذ السلطان من رب الأرض الخراج وترك المقاسمة فالنصف الذي شرطاه للسلطان هو لرب الأرض والباقي بينهما على ما اشترطا ، ومعنى هذا أن السلطان قد يفتح بلدة ويمن بها على أهلها ، ثم يتردد رأيه في توظيف خراج المقاسمة عليهم ، أو خراج الوظيفة فلا يعزم على شيء من ذلك حتى يحصل الخارج ، أو كان جعل عليهم خراج المقاسمة على أنه إن بدا له أن يجعل عليهم خراج الوظيفة فعل ذلك ، وقد يشترط ذلك حتى لا يعطلوا الأراضي فيكون هذا من الإمام نظرا لأرباب الخراج ، فإذا بدا له بعد حصول الخارج أن يأخذ خراج الوظيفة فإنه يأخذ ذلك من رب الأرض ، ثم النصف المشروط للسلطان يكون لرب الأرض ، أما عند أبي حنيفة - رحمه الله - فلا يشكل ; لأن ذلك على رب الأرض وإن كان خراج المقاسمة فالمشروط له مشروط لرب الأرض وعندهما ; لأن بدل ذلك أخذه السلطان من رب الأرض والغنم مقابل بالغرم فما شرط لخراج المقاسمة يكون لرب الأرض [ ص: 35 ] بهذا الطريق ، وكذلك لو لم يأخذ السلطان خراجا ولا مقاسمة وترك ذلك أصلا ، أو أخذا شيئا من الطعام سرا ، ثم قاسمهم السلطان ما بقي فأخذ نصفه فإن ما أخذاه سرا لصاحب الأرض ثلثه وللمزارع ثلثاه ، فقد عطف أحد الفصلين على الآخر بقوله : " وكذلك وجوابهما يختلف فإنه يأخذ إذا لم يأخذ السلطان شيئا " فعطف ذلك على المسألة الأولى دليل على أن المشروط لخراج المقاسمة يكون لرب الأرض ، وفيما إذا أخذا شيئا من الطعام سرا نص على أنه يكون أثلاثا بينهما ففيما ذكره في هذا النوع نوع من التشويش ، والحاصل أن على قول أبي حنيفة المشروط للخراج يكون مشروطا لرب الأرض ففي الفصلين يكون النصف المشروط لخراج المقاسمة يكون لرب الأرض والباقي بينهم أثلاثا ، وعند أبي حنيفة أبي يوسف خراج المقاسمة في الخارج إلا إذا أخذ السلطان الخراج من رب الأرض فحينئذ يكون ذلك له عوضا عما أخذه السلطان منه ، فإذا لم يأخذ منه شيئا أو أخذا شيئا من الطعام سرا فذلك مقسوم بينهما على أصل المشترط ، لصاحب الأرض ثلثه وللمزارع ثلثاه ، وقد ذكر في بعض النسخ في هذا الفصل الأخير أن ما أخذاه سرا يكون لصاحب الأرض ثلثاه وللمزارع ثلثه ، فعلى هذا يتفق الجواب في الفصول الثلاثة ويتحقق العطف فإن ذلك النصف لرب الأرض والثلث من النصف الباقي له ، فإذا أخذ ثلثي الخارج فقد وصل إليه جميع هذا ، ولكن هذا الجواب بناء على قول ومحمد فأما عندهما فالتخريج ما ذكرنا ، وقيل : بل هذا الجواب قولهم جميعا لأن المقاسمة واجبة باسم الخراج كالوظيفة ، والخراج مؤنة تجب على رب الأرض ، فالمشروط للخراج بمنزلة المشروط لرب الأرض عندهما جميعا ، وكذلك لو كان البذر من صاحب الأرض . والذي قلناه أولا من أن المسألة على الخلاف هو الأصح ، وقد نص عليه في بعض نسخ الأصل ، ولو قال : لا أدري ما يأخذ السلطان في هذه السنة المقاسمة أو الخراج فإنما تلك على أن أرفع مما تخرج الأرض حظ السلطان مقاسمة كان أو خراجا أو يكون ما بقي بيننا لي الثلث ولك الثلثان فرضي المزارع بذلك ، فهذه مزارعة فاسدة من أيهما كان البذر ; لأن هذا شرط يؤدي إلى قطع الشركة في الخارج مع حصول الخارج عشرا بأن يأخذ السلطان خراج الوظيفة ويكون الخارج بقدر ذلك أو دونه ، ثم الريع كله لصاحب البذر كما هو الحكم في المزارعة الفاسدة ، والخراج والمقاسمة أيهما كان على صاحب الأرض لما بينا أن الخراج مؤنة للأرض فيكون على صاحب الأرض ، ثم إن كان البذر من قبل صاحب الأرض فهو مستأجر للعامل ولو عمل بنفسه كان الخراج عليه ، فكذلك [ ص: 36 ] إذا استأجر العامل فيه ، وإن كان البذر من قبل العامل فرب الأرض مؤجر للأرض ، ومنفعة الأرض تحصل له بهذه الإجارة كما يحصل إذا استوفاها بنفسه فيكون الخراج عليه والله أعلم . أبي حنيفة