الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو أشرفت سفينة ) بها متاع وراكب ( على غرق ) وخيف غرقها بما فيها ( جاز ) عند توهم النجاة بأن اشتد الأمر وقرب اليأس ولم يفد الإلقاء إلا على ندور أو عند غلبة ظن النجاة بأن لم يخش من عدم الطرح إلا نوع خوف غير قوي ( طرح متاعها ) حفظا للروح يعني ما يندفع به الضرر في ظنه من الكل أو البعض كما أشارت إليه عبارة أصله [ ص: 23 ] ( ويجب ) طرح ذلك ( لرجاء نجاة الراكب ) أي لظنها مع قوة الخوف لو لم يطرح وينبغي أي للمالك فيما إذا تولى الإلقاء بنفسه أو تولاه غيره كالملاح بإذنه العام له فاندفع ما للبلقيني هنا تقديم الأخف قيمة إن أمكن

                                                                                                                              ويجب إلقاء حيوان أيضا لظن نجاة آدمي أي محترم فالمهدر كحربي وزان محصن لا يلقى لأجله مال مطلقا بل ينبغي أن يلقى هو لأجل المال ويؤيده بحث الأذرعي أنه لو كان ثم أسرى وظهر للإمام المصلحة في قتلهم بدأ بهم قبل المال ولما قررت المتن بما حملت عليه حالة الجواز وحالة الوجوب بناء على فرضه أن فيها ذا روح وإلا فحمل الجواز على إلقاء متاعها كله لرجاء سلامتها أو بعضه لرجاء سلامة باقيه ظاهر رأيت من اعترضه بما يندفع بما ذكرته

                                                                                                                              وحاصله أن قوله لرجاء لا يصلح تعليلا لحالة الجواز والوجوب معا كما هو واضح فإن جعل تعليلا للوجوب فكيف يستقيم الجواز بدونه فالقياس الوجوب لرجاء نجاة الراكب مطلقا لأن كل ما كان ممنوعا منه إذا جاز وجب انتهى والقاعدة أغلبية على أن إتلاف المال لغرض صحيح كما هنا غير ممنوع فليس ما نحن فيه من هذه القاعدة

                                                                                                                              ثم رأيت البلقيني صرح ببعض ما ذكرته فقال إن حصل منه هول خيف منه الهلاك مع غلبة السلامة جاز الإلقاء لرجاء النجاة وإن غلب الهلاك مع ظن السلامة بالطرح وجب ثم رجح الاحتياج لإذن المالك ككل من له بالعين تعلق حق كالمرتهن وغرماء المفلس في حالة الجواز فيمتنع حينئذ إلقاء مال محجور إلا إذا ألقى الولي بعض أمتعته لسلامة باقيها أخذا مما مر أنه لو خاف ظالما على ماله جاز له بذل ما يندفع به عنه دون حالة الوجوب فلا فرق فيها بين مال المحجور وغيره ( فإن طرح ) ملاح أو غيره ( مال غيره ) ولو في حالة الوجوب ولا ينافيه ما مر آنفا لأن الإثم وعدمه يتسامح فيهما ما لا يتسامح في الضمان لأنه من باب خطاب الوضع ( بلا إذن ) منه له فيه ( ضمن ) هـ كأكل مضطر طعام غيره بغير إذنه ( وإلا ) بأن طرحه بإذن مالكه المعتبر الإذن ( فلا ) يضمنه ولو تعلق به حق للغير كمرتهن اشترط إذنه أيضا كما مر

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قول المتن طرح متاعها ) أي ولو مصحفا وكتب علم ا هـ ع ش ( قوله حفظا ) إلى قوله ولما [ ص: 23 ] قررت في المغني إلا قوله أي للمالك إلى تقديم الأخف ( قول المتن ويجب لرجاء إلخ ) فإن لم يلق من لزمه الإلقاء حتى حصل الغرق وهلك به شيء أثم ولا ضمان نهاية ومغني ( قول المتن لرجاء نجاة الراكب ) أقول وينبغي أن يقال بمثل هذا التفصيل فيما لو طلع لصوص على سفينة وهو يقع كثيرا فتنبه له ا هـ ع ش وقوله على سفينة أو نحو عرابية في البر

                                                                                                                              ( قوله وينبغي إلخ ) أي يجب وقيد م ر وجوب مراعاة ما ذكر بما إذا كان الملقي غير المالك فإن كان هو المالك لم يجب عليه ذلك لأنه قد يتعلق غرضه بالأخس دون غيره فغاية الأمر أنه أتلف الأشرف لغرض سلامة غيره المتعلق به غرضه ا هـ سم على المنهج ا هـ ع ش ( قوله أو تولاه غيره إلخ ) حق العبارة ولغيره كالملاح إذا تولاه بإذنه ( قوله تقديم الأخف إلخ ) فاعل وينبغي ( قوله ويجب إلقاء حيوان إلخ ) أي ولو محترما وإن لم يأذن مالكه أي مع الضمان عند عدم الإذن ع ش ( قوله أيضا ) أي كغير الحيوان ولا يجوز إلقاء الأرقاء لسلامة الأحرار مغني ونهاية أي ولا كافر لمسلم ولا جاهل لعالم متبحر وإن انفرد ولا غير شريف لشريف ولا غير ملك لملك وإن كان عادلا لاشتراك الجميع في أن كلا آدمي محترم ع ش

                                                                                                                              ( قوله كحربي إلخ ) أي ومرتد ( قوله لظن نجاة إلخ ) أي إن لم يكن دفع الغرق بغير إلقائه وإن أمكن لم يجز الإلقاء مغني ونهاية ( قوله مطلقا ) أي حيوانا أو لا ( قوله بحث الأذرعي إلخ ) أقره النهاية واستظهره المغني ( قوله وظهر للإمام إلخ ) أي أو لم يظهر له شيء ا هـ ع ش ( قوله على فرضه ) أي المتن ( قوله وإلا ) أي وإن لم يكن في السفينة ذو روح ( قوله فحمل الجواز ) فعل ونائب فاعله ( قوله متاعها ) أي السفينة ( قوله أو بعضه ) أي المتاع وكذا ضمير باقيه ( قوله رأيت إلخ ) جواب لما ( قوله من اعترضه ) أي المتن وافقه المغني ( قوله وحاصله ) أي الاعتراض ( قوله بدونه ) أي رجاء السلامة

                                                                                                                              ( قوله فالقياس الوجوب إلخ ) قد يقال على سبيل التنزل لا محذور في كلام المصنف على هذا التقدير أيضا لأن تصريحه بالوجوب بعد التعبير بالجواز من قبيل التصريح بما علم التزاما ولا مجذور فيه ا هـ سيد عمر ( قوله مطلقا ) أي اشتد الخوف أو لا أذن مالكه أو لا قوي الرجاء أو لا ( قوله انتهى ) أي حاصل الاعتراض ( قوله والقاعدة إلخ ) أي كل ما كان ممنوعا إلخ ( قوله فقال ) إلى المتن في المغني ( قوله إن حصل منه ) الأولى إسقاط لفظة منه كما فعله المغني ( قوله خيف منه ) أي من الهول ( قوله ثم رجح ) إلى المتن في النهاية ( قوله ثم رجح إلخ ) عبارة المغني ثم قال إنه يحتاج إلى إذن المالك في حال الجواز دون الوجوب فلو كانت لمحجور لم يجز إلقاؤها في محل الجواز ويجب في محل الوجوب قال ولو كانت مرهونة أو لمحجور عليه بفلس أو لمكاتب أو لعبد مأذون عليه ديون وجب إلقاؤها في محل الوجوب وامتنع في محل الجواز إلا باجتماع الراهن والمرتهن أو السيد والمكاتب أو السيد والمأذون والغرماء في الصور المذكورة ا هـ .

                                                                                                                              وفي النهاية نحوها قال الرشيدي قوله إلا باجتماع الراهن إلخ أي وإلا فيضمن وانظر لو ضمناه حينئذ ثم انفك الرهن بأداء أو إبراء والظاهر أنه ينفك الضمان فليس للراهن أخذ شيء منه لإذنه حتى لو أخذ منه شيئا رده إليه فليراجع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله في حالة إلخ ) متعلق برجح ( قوله فلا فرق ) أي في عدم الاحتياج إلى الإذن ( قوله فيها ) أي حالة الوجوب ( قوله ملاح ) إلى قوله وإلا ضمنه في النهاية ( قوله ما مر آنفا ) أي من عدم الاحتياج إلى الإذن في حالة الوجوب ( قوله وعدمه ) هو المقصود هنا ( قوله كما مر ) أي آنفا




                                                                                                                              الخدمات العلمية