( كتاب ) أعاذنا الله تعالى منها ( هي ) [ ص: 80 ] لغة الرجوع وقد تطلق على الامتناع من أداء الحق كمانعي الزكاة في زمن الردة الصديق رضي الله عنه وشرعا ( قطع ) من يصح طلاقه دوام ( الإسلام ) ومن ثم كانت أفحش أنواع الكفر وأغلظها حكما وإنما تحبط العمل عندنا إن اتصلت بالموت لآية البقرة وكذا آية المائدة إذ لا يكون خاسرا في الآخرة إلا إن مات كافرا فلا تجب وقال إعادة عباداته قبل الردة رضي الله عنه تجب أما أبو حنيفة فمحل وفاق وظن إحباط ثواب الأعمال بمجرد الردة الإسنوي أن هذا ينافي عدم إحباطها للعمل فاعترض به وليس بظن إذ إحباط العمل الموجب للإعادة غير إحباط مجرد ثوابه إذ لا ثواب فيها عند الجمهور مع صحتها وزعم الصلاة في المغصوب الإمام عدم إحباطها للعمل ، وإن مات كافرا بمعنى أنه لا يعاقب عليه في الآخرة غريب بل الصواب إحباطه وإن فعل حال الإسلام لأن شرطه موت الفاعل مسلما وإلا صار كأنه لم يفعل فيعاقب عليه وخرج بقطع الكفر الأصلي قاله الغزالي واعترضه ابن الرفعة بأن الإخراج إنما يكون بالفصل والكفر الأصلي خارج بنفس الردة ويرد بأن الجنس قد يكون مخرجا باعتبار إذ القطع الأعم يشمل الكفر الأصلي ؛ لأن فيه قطع موالاة الله ورسوله فهو من حيث ذاته شامل له ومن حيث إضافته للإسلام مخرج له وهذا هو مراد الغزالي
وإخراج الردة له إنما ، هو بعد تعريفها والكلام قبله [ ص: 81 ] وهي حينئذ مجهولة لا يصح الإخراج بها فتأمله ولا يشمل الحد كفر المنافق ؛ لأنه لم يوجد منه إسلام حتى يقطعه وإلحاقه بالمرتد في حكمه لا يقتضي إيراده على المتن خلافا لمن زعمه مر في كلامه فلا يرد عليه ، وإن كان حكمه حكم المرتد كذا قيل وليس في محله ؛ لأن الصحيح أنه يجاب لتبليغ المأمن ولا يجبر على الإسلام بخلاف المرتد فليس حكمه حكمه فلا يرد أصلا والمنتقل من كفر لكفر أمر حكمي فلا يرد على ما نحن فيه ثم قطع الإسلام إما ( بنية ) لكفر ويصح عدم تنوينه بتقدير إضافته لمثل ما أضيف إليه ما عطف عليه كنصف وثلث درهم حالا أو مآلا فيكفر بها حالا كما يأتي ووصف ولد المرتد بالردة
وتسمية العزم نية بناء على ما يأتي أنه المراد منها غير بعيد وتردده في قطعه الآتي ملحق بقطعه تغليظا عليه ( أو كما يفهمه قوله الآتي استهزاء إلخ فلا أثر لسبق لسان أو إكراه واجتهاد وحكاية كفر لكن شرط قول كفر ) عن قصد [ ص: 82 ] وروية الغزالي أن لا يقع إلا في مجلس الحاكم وفيه نظر بل ينبغي أنه حيث كان في حكايته مصلحة جازت وشطح ولي حال غيبته أو تأويله بما هو مصطلح عليه بينهم ، وإن جهله غيرهم إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة عند أهله فلا يعترض عليهم بمخالفته لاصطلاح غيرهم كما حققه أئمة الكلام وغيرهم ومن ثم زل كثيرون في التهويل على محققي الصوفية بما هم بريئون منه ويتردد النظر فيمن تكلم باصطلاحهم المقرر في كتبهم قاصدا له مع جهله به والذي ينبغي بل يتعين وجوب منعه منه بل لو قيل بمنع غير المشتهر بالتصوف الصادق من التكلم بكلماتهم المشكلة إلا مع نسبتها إليهم غير معتقد لظواهرها لم يبعد ؛ لأن فيه مفاسد لا تخفى
وقول ابن عبد السلام يعزر ولي قال أنا الله ولا ينافي ذلك ولايته لأنه غير معصوم فيه نظر ؛ لأنه إن كان غائبا فهو غير مكلف لا يعزر كما لو أول بمقبول وإلا فهو كافر ويمكن حمله على ما إذا شككنا في حاله فيعزر فطما له ولا يحكم عليه بالكفر لاحتمال عذره ولا بعدم الولاية ؛ لأنه غير معصوم وقول القشيري من شرط الولي الحفظ كما أن من شرط النبي العصمة فكل من للشرع عليه اعتراض مغرور مخادع مراده أنه إذا وقع منه مخالف على الندرة بادر للتنصل منه فورا لا أنه يستحيل وقوع شيء منه أصلا ( تنبيه )
قال بعض مشايخ مشايخنا ممن جمع بين التصوف والعلوم النقلية والعقلية لو أدركت أرباب تلك الكلمات للمتهم على تدوينها مع اعتقادي لحقيتها ؛ لأنها مزلة للعوام والأغبياء المدعين للتصوف انتهى
وإنما يتجه إن لم يكن لهم غرض صحيح في تدوينها كخشية اندراس اصطلاحهم وتلك المفاسد يدرؤها أئمة الشرع فلا نظر إليها . قيل في المتن دور فإن الردة أحد نوعي الكفر فكيف تعرف بأنها قول كفر ورد بأن المراد بالكفر المضاف إليه الكفر الأصلي واعترض أيضا توسيطه لكفر بأن تقديمه ليحذف مما بعد لدلالة الأول أو عكسه أولى ويجاب [ ص: 83 ] بمنع ذلك بل له حكمة تأتي قريبا على أن توسيطه يفيد ذلك أيضا فإنه بالنسبة لما قبله متأخر ولما بعده متقدم نظير ما مر في الوقف .
( تنبيه ) وكذا شرعي أو عقلي على احتمال ؛ لأنه قد ينافي عقد التصميم المشترط في الإسلام ويشكل على ذلك ما في يدخل في قول الكفر تعليقه ولو بمحال عادي من عدة طرق أن البخاري رضي الله عنه طلب من خبابا العاص بن وائل السهمي دينا له عليه فقال لا أعطيك حتى تكفر بمحمد فقال لا أكفر به حتى يميتك الله ثم يبعثك فهذا تعليق للكفر بممكن ومع ذلك لم يكن فيه كفر وقد يجاب بأنه لم يقصد التعليق قطعا ، وإنما أراد تكذيب ذلك اللعين في إنكاره البعث ولا ينافيه قوله : حتى ؛ لأنها تأتي بمعنى إلا المنقطعة فتكون بمعنى لكن التي صرحوا بأن ما بعدها كلام مستأنف وعليه خرج ابن هشام الخضراوي حديث { كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه } أي لكن أبواه قال وقد ذكر النحويون هذا في أقسام حتى وخرجوا عليه قوله حتى إلخ انتهى
ونظير ذلك ما وقع { لأسامة لما قتل من قال لا إله إلا الله ظانا أنه إنما قالها تقية فأنبه صلى الله عليه وسلم حتى قال تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم } رواه وهذا التمني يقتضي الكفر لكنه لم يقصد ظاهر هذا اللفظ بل أن ذلك الفعل وقع منه قبل إسلامه حتى يكون مغفورا له فتأمل كلا من هذين القولين فإن الكلام فيهما مهم ومع ذلك لم يوضحوه ثم رأيت بعض شراح مسلم قال لا يقال مفهوم الغاية أنه يكفر بعد الموت لأن ذلك محال فكأنه قال لا أكفر أبدا كما في { البخاري لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى } في أن ذكره للتأكيد انتهى وفيه نظر ؛ لأنه إن أراد بعد موت نفسه كان غلطا لأنه قال حتى يميتك الله ثم يبعثك أو بعد موت العاص ثم بعثه فليس هذا بمحال بل هو ممكن كما تقرر فإن قلت بل هو محال ؛ لأن بعد بعث خبابا العاص يكون قد مات فكأنه علق بما بعد موت نفسه قلت هذا لا يوجب الاستحالة ؛ لأنه يمكن عقلا وعادة أن الله يميت العاص ثم يبعثه لوقته حي فلا استحالة بوجه فالحق ما ذكرته على أنك قد علمت أن التعليق بمثل هذا المحال يقتضي الكفر ( أو فعل ) لكفر وسيفصل كلا من هذه الثلاثة مقدما القول ؛ لأنه أغلب من الفعل . وخباب
[ ص: 84 ] وظاهر يشاهد بخلاف النية وكان هذا هو حكمة إضافته لكفر دون الآخرين فاندفع ما قيل ينبغي تأخير القول عن الفعل ؛ لأن التقسيم فيه فإن قلت فلم قدم النية فيما مر قلت : لأنها الأصل والمقومة للقول والفعل فقدمها في الإجمال لذلك والقول في التفصيل لما مر فهو صنيع حسن ( سواء ) في الحكم عليه عند قوله الكفر ( قاله استهزاء ) كأن وكأن قال لو جاءني النبي ما قبلته ما لم يرد المبالغة في تبعيد نفسه عن فعله أو يطلق فإن المتبادر منه التبعيد كما قاله بعضهم محتجا عليه بأنه لو لم يقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم في حياته في شيء كما وقع قيل له قص أظفارك فإنه سنة فقال لا أفعله ، وإن كان سنة لبريرة رضي الله عنها لم يكفر ولك أن تقول لا حجة له في ذلك للفرق الواضح بين عدم قبول الشفاعة مجردا عما يشعر باستخفاف وقوله لو إلخ فإن في هذا من الإشعار بالاستهتار ما لا يخفى على أحد فالذي يتجه في حالة الإطلاق الكفر فإن قلت يؤيد ما قاله قول السبكي ليس من التنقيص قول من سئل في شيء لو جاءني جبريل أو النبي ما فعلته ؛ لأن هذه العبارة تدل على تعظيمه عنده قلت لا يؤيده لما هو ظاهر أن ما فعلته لا يشعر باستخفاف أصلا بخلاف ما قبلته فتأمله وأفتى الجلال البلقيني فيمن فإن الظاهر عدم الكفر وكأن مادة هذا كما ذكر عن قيل له اصبر علي بدينك فقال لو جاءني ربي ما صبرت السبكي حكاية الرافعي فيمن والسماء والطارق } [ ص: 85 ] أنه لا يكفر ؛ لأنه من باب المبالغة في التشبيه المقصودة للبلغاء الدالة على تعظيم قدر المشبه دون احتقار المشبه به أنه يكفر ؛ لأن فيه استخفافا أن العالم لا يكفر ؛ لأنه يعرف حقائق التشبيه المانعة من الاستخفاف نظرا إلى أن المبالغة تمنع قصد تحقيق المعنى بخلاف العامي ؛ لأن هذه العبارة منه تدل على عظيم تهور واستخفاف ولم يرجح أمر آخر بتنظيف بيته فقال له نظف بيتنا مثل { الرافعي شيئا من هذه الاحتمالات ورجح غيره عدم التكفير وبه يتأيد ما مر عن السبكي والجلال ( أو عنادا ) بأن عرف بباطنه أنه الحق وأبى أن يقر به ( أو اعتقادا ) وهذه الثلاثة تأتي في النية أيضا كالفعل الآتي وحذف همزة التسوية والعطف بأو لغة والأفصح ذكرها والعطف بأم ونقل الإمام عن الأصوليين أن إضمار التورية أي فيما لا يحتملها كما هو ظاهر لا يفيد فيكفر باطنا أيضا لحصول التهاون منه وبه فارق قبوله في نحو الطلاق باطنا