( تنبيه ثالث )
قال الغزالي من وجب قتله وإن كان في الحكم بخلوده في النار نظر وقتل مثله أفضل من قتل مائة كافر ؛ لأن ضرره أكثر انتهى ولا نظر في خلوده ؛ لأنه مرتد لاستحلاله ما علمت حرمته أو نفيه وجوب ما علم وجوبه ضرورة فيهما ومن ثم جزم في الأنوار بخلوده ووقع زعم أن له مع الله حالا أسقط عنه نحو الصلاة أو تحريم شرب الخمر لليافعي مع جلالته في روضه لو لم يكن منتهكا للشرع وحصول اليقين له من حيث حصوله أذن الله تعالى لبعض عباده أن يلبس ثوب حرير مثلا وعلم الإذن يقينا فلبسه للخضر بقتله للغلام إذ هو ولي لا نبي على الصحيح انتهى وقوله مثلا ربما يدخل فيه ما زعمه بعض المتصوفة الذي ذكره الغزالي [ ص: 89 ] وبفرض أن اليافعي لم يرد بمثلا إلا ما هو مثل الحرير في أن استحلاله غير مكفر لعدم علمه ضرورة
فإن أراد بعدم انتهاكه للشرع أن له نوع عذر ، وإن كنا نقضي عليه بالإثم بل والفسق إن أدام ذلك فله نوع اتجاه أو أنه لا حرمة عليه في لبسه كما هو الظاهر من سياق كلامه فهو زلة منه ؛ لأن ذلك اليقين إنما يكون بالإلهام ، وهو ليس بحجة عند الأئمة ؛ إذ لا ثقة بخواطر من ليس بمعصوم وبفرض أنه حجة فشرطه عند من شذ بالقول به أن لا يعارضه نص شرعي كالنص بمنع المجمع عليه إلا من شذ ممن لا يعتد بخلافه فيه وبتسليم أن لبس الحرير الخضر ولي وإلا فالأصح أنه نبي فمن أين لنا أن الإلهام لم يكن حجة في ذلك الزمن وبفرض أنه غير حجة فالأنبياء في زمنه موجودون فلعل الإذن في قتل الغلام جاء إليه على يد أحدهم
فإن قلت قضية هذا أن عيسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم لو أخبر بعد نزوله أحدا بأن له استعمال الحرير جاز له ذلك قلت هذا لا يقع لأنه ينزل بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم وقد استقر فيها تحريم الحرير على كل مكلف لغير حاجة أو ضرورة فلا يغيره أبدا لا يقال يتأول لليافعي بأن الإذن في الحرير وقع تداويا من علة علمها الحق من ذلك العبد كما تأول هو وغيره ما وقع لولي أنه لما اشتهرت ولايته ببلد خاف على نفسه الفتنة فدخل الحمام ولبس ثياب الغير وخرج مترفقا في مشيه ليدركوه فأدركوه وأوجعوه ضربا وسموه لص الحمام فقال الآن طاب المقام عندهم بأن فعله لذلك إنما وقع تداويا كما يتداوى بالخمر عند الغص ومفسدة لبس ثياب الغير ساعة أخف من مفسدة العجب ونحوه من قبائح النفس ؛ لأنا نقول ذلك الإذن الذي للتداوي ليس إلا بإلهام وقد اتضح بطلان الاحتجاج به
وفرق واضح بين مسألتنا ومسألة ذلك الولي فإن الحرير لا يتصور حله لغير حاجة ومن أين لنا أن ذلك الولي ما عرف مالك الثياب ولا ظن رضاه وبفرض جهله به هو يظن رضاه بفرض اطلاعه على أنه إنما فعله لذلك القصد إذ كل من اطلع على باطن فاعل ذلك يرضى به ، وإن كان من كان ومر في الوليمة أن ظن الغير يبيح ماله فهي واقعة محتملة للحل من غير طريق الإلهام كواقعة واستعمال مال الغير يجوز مع ظن رضاه الخضر ومسألة الحرير لا تحتمله من غير طريق الإلهام بوجه فتأمله