الذكر والمرأة ( مائة جلدة ) للآية سمي بذلك لوصوله إلى الجلد ( وتغريب عام ) أي سنة هلالية وآثره ؛ لأنها قد تطلق على الجدب وذلك لخبر ( و ) حد المكلف ومثله السكران ( البكر ) وهو غير المحصن السابق ( الحر ) به وعطف بالواو لإفادة أنه لا ترتيب بينهما ، وإن كان تقديم الجلد أولى فيعتد بتقديم التغريب وتأخر الجلد ، وإن نازع فيه مسلم الأذرعي وعبر بالتغريب لإفادة أنه لا بد من تغريب الحاكم فلو غرب نفسه لم يكف إذ لا تنكيل فيه وابتداء العام من ابتداء السفر ويصدق في أنه مضى عليه عام حيث لا بينة ويحلف ندبا إن اتهم لبناء حق الله تعالى على المسامحة وتغرب معتدة وأخذ منه تغريب المدين ومستأجر العين وفي الأخير نظر ويفرق بأن معظم الحق فيها لله تعالى وفيه الحق متمحض للآدمي
ويؤيده أن القاضي لا يعدى عليه ثم رأيت شيخنا رجح أنه لا يغرب إن تعذر عمله في الغربة كما لا يحبس لغريمه إن تعذر عمله في الحبس ويوجه تغريب المدين ، وإن كان الدين حالا بأنه إن كان له مال قضى منه وإلا لم تفد إقامته عند الدائن فلم يمنع حقه توجه التغريب إليه ، وإنما يجوز مما يراه الإمام بشرط أمن الطريق والمقصد على الأوجه ، وأن لا يكون بالبلد طاعون لحرمة دخوله ذلك اقتداء بالخلفاء الراشدين ولأن ما دونها في حكم الحضر ( وإذا عين الإمام جهة فليس له طلب غيرها في الأصح ) [ ص: 110 ] ؛ لأنه قد يكون له غرض فيه فلا يحصل الزجر المقصود ويلزم بالإقامة فيما غرب إليه حتى يكون كالحبس له على المعتمد من تناقض في الروضة التغريب ( إلى مسافة القصر ) من محل زناه ( فما فوقها )
وجمع شيخنا بما يلزم عليه انتفاء فائدة التغريب إذ تجويز انتقاله لغير بلده ودون مرحلتين منها يجعله كالمتنزه في الأرض ، وهو مناف للمقصود من تغريبه وأخذ من قولهم كالحبس أن له منعه من نحو استمتاع بالحليلة وشم الرياحين وفي عمومه نظر لتصريحهم بأن له استصحاب أمة يتسرى بها دون أهله وعشيرته وقضية كلامهما أنه لا يمكن من حمل مال زائد على نفقته ، وهو متجه خلافا للماوردي والروياني ولا يقيد إلا إن خيف من رجوعه ولم تفد فيه المراقبة أو من تعرضه لإفساده النساء مثلا وأخذ منه بعض المتأخرين أن كل من حبس قال وهي مسألة نفيسة تعرض لإفساد النساء أو الغلمان أي ولم ينزجر إلا بحبسه
وإذا رجع قبل المدة أعيد لما يراه الإمام واستأنفها إذ لا يتم التنكيل إلا بموالاة مدة التغريب أي وطنه ولو حلة بدوي إذ لا يتم الإيحاش إلا بذلك ومن ثم وجب بعد ما غرب إليه عن وطنه مسافة القصر ( فإن عاد ) المغرب ( إلى بلده ) الأصلي أو الذي غرب منه أو إلى دون المسافة منه ( منع في الأصح ) معاملة له بنقيض قصده وقياس ما مر أنه يستأنف السنة ثم رأيت ذلك مصرحا به أما غريب لا وطن له كأن ( ويغرب غريب ) له وطن ( من بلد الزنا إلى غير بلده ) فيمهل حتى يتوطن محلا ثم يغرب منه وفارق - خلافا زنى من هاجر لدارنا عقب وصولها لابن الرفعة وغيره - : تغريب مسافر زنى لغير مقصده وإن فاته الحج مثلا على المعتمد خلافا للبلقيني ؛ لأن القصد تنكيله وإيحاشه ولا يتم إلا بذلك - بأن هذا له وطن فالإيحاش حاصل ببعده عنه وذاك لا وطن له فاستوت الأماكن كلها بالنسبة إليه فتعين إمهاله ليألف ثم يغرب ليتم الإيحاش واحتمال أنه قد [ ص: 111 ] لا يتوطن بلدا فيؤدي إلى سقوط الحد بعيد جدا فلا يلتفت إليه كاحتمال الموت ونحوه
ولو غرب لغيره البعيد عن وطنه ومحل زناه ودخل فيه بقية الأول ( زنى فيما غرب له في الأصح بل مع زوج أو محرم ) أو نسوة ثقات عند أمن الطريق والمقصد بل أو واحدة ثقة أو ممسوح كذلك أو عبدها الثقة إن كانت هي ثقة أيضا بأن حسنت توبتها لما مر في الحج أن السفر الواجب يكفي فيه ذلك وذلك لحرمة سفرها وحدها كما مر ثم بتفصيله ووجوب السفر عليها لا يلحقها بالمسافرة للهجرة حتى يلزمها السفر ولو وحدها ويفرق بأن تلك تخشى على نفسها أو بضعها لو أقامت وهذه ليست كذلك فانتظرت من يجوز لها السفر معه ولا يلزم نحو المحرم السفر معها إلا برضاه ( ولو بأجرة ) طلبها منها فتلزمها كأجرة الجلاد ولا تغرب امرأة وحدها
فإن أعسرت ففي بيت المال فإن تعذر أخر التغريب حتى توسر كأمن الطريق ومثلها في ذلك كله أمرد حسن فلا يغرب إلا مع محرم أو سيد ( تنبيه )
أطلقوا في سواء مؤن السفر والإقامة وأما الرقيق فأطلق بعضهم فيه أنها على السيد وقال الحر أن مؤنة تغريبه عليه شارح مؤن تغريبه في بيت المال وإلا فعلى السيد ومؤن الإقامة على السيد ولعله لحظ الفرق بأن ذلك واجب على القن أصالة ، وهو في حكم المعسر والمعسر مؤنه في بيت المال أولا فقدم على السيد بخلاف الحر فإنه يتصور فيه اليسار وغيره ففصل فيه كما تقرر ويوجه فرقه بين مؤنة التغريب ومؤنة الإقامة بأن الثانية لحق الملك فلزمته مطلقا بخلاف الأولى .
[ ص: 112 ] وفصل بعض الأصحاب بين أن يكون المغرب المالك فهي عليه أو السلطان فهي في بيت المال ( فإن امتنع ) حتى بالأجرة ( لم يجبر في الأصح ) ؛ لأن في إجباره تعذيب من لم يذنب ، وإن قل سواء الكافر وغيره ( خمسون وتغريب نصف سنة ) على النصف من الحر لآية { ( و ) حد ( العبد ) يعني من فيه رق فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } أي غير الرجم ؛ لأنه لا ينصف ولا مبالاة بضرر السيد كما يقتل بنحو ردته ولا بكون الكافر لم يلتزم الجزية كما في المرأة الذمية ومخالفة جمع فيه مردودة بقولهم للكافر حد عبده الكافر وبأنه تابع لسيده ويأتي هنا جميع فروع التغريب السابقة وغيرها ومنه خروج نحو محرم مع الأمة والعبد الأمرد ( وفي قول ) يغرب ( سنة ) لتعلقه بالطبع فلا يختلفان فيه كمدة الإيلاء ( و ) في ( قول لا يغرب ) لتفويت حق السيد