( كل شراب أسكر كثيره ) من خمر أو غيرها ومنه المتخذ من لبن الرمكة فإنه مسكر مائع كما مر بيانه في النجاسات ( حرم قليله ) وكثيره لخبر الصحيحين { كل شراب أسكر فهو حرام } وصح خبر { أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره } وخبر { ما أسكر كثيره قليله حرام } وخبر { الخمر من هاتين العنبة والنخلة } وروى مسلم { كل مسكر خمر وكل خمر حرام } وفي أحاديث ضعيفة ما يخالف ذلك فلا يعول عليه كتأويل بعض تلك الأحاديث بما ينبو عنه ظاهرها من غير دليل ( وحد شاربه ) وإن لم يسكر أي متعاطيه لما يأتي أن الحد لا يتوقف على الشرب وإن اعتقد إباحته لضعف أدلته ولأن العبرة في الحدود بمذهب القاضي لا المتداعيين
وقول الزركشي فيمن لا يسكر بشرب الخمر أن الحرمة من حيث النجاسة لا الإسكار ففي الحد عليه نظر لانتفاء العلة وهي الإسكار عجيب وغفلة عن وجوب الحد في القليل الذي لا يتصور منه إسكار فمعنى كونه علة أنه مظنة له [ ص: 168 ] وخرج بالشراب ما حرم من الجامدات فلا حد فيها وإن حرمت وأسكرت على ما مر أول النجاسة بل التعزير لانتفاء الشدة المطربة عنها ككثير البتح والزعفران والعنبر والجوزة والحشيشة المعروفة ، وحدوثها كان أوائل المائة السابعة حين ظهرت دولة التتار التي لم تقع في العالم فتنة أفظع ولا أذهب للنفوس منها ، ولا حد بمذابها الذي ليس فيه شدة مطربة بخلاف جامد الخمر نظرا لأصلهما بل التعزير الزاجر له عن هذه المعصية الدنيئة
ومما يتأكد المبالغة في الزجر عنه وإذاعة أنه من الكبائر بل من أقبحها ما حدث الآن من استعمال كثير من السفهاء له من نبت يسمى القبيسي يوجد بنحو جبال مكة فإنه أسوأ المخدرات ؛ لأن قليله يؤدي إلى مسخ البدن والعقل وزواله عن جميع اعتدالاته وكثيره قاتل فورا فهو أبلغ من الأفيون في السمية ، وقبل الآن من مركب يسمى البرش ونحوه وهو أيضا ماسخ للبدن والعقل ولا حجة لمستعملي ذلك في قولهم إن تركنا له يؤدي للقتل فصار واجبا علينا ؛ لأنه يجب عليهم التدرج في تنقيصه شيئا فشيئا ؛ لأنه مذهب لشغف الكبد به شيئا فشيئا إلى أن لا يضره فقده كما أجمع عليه من رأيناهم من أفاضل الأطباء فمتى لم يسعوا في ذلك التدريج فهم فسقة آثمون لا عذر لهم ولا لأحد في إطعامهم إلا قدر ما يحيي نفوسهم لو فرض فوتها بفقده وحينئذ يجب على من رأى فاقده وخشي عليه ذلك إطعامه ما يحيا به لا غير كإساغة اللقمة بالخمر الآتية ويحرم شرب ما ذكر ويحد شاربه ( إلا صبيا ومجنونا ) لرفع القلم عنهما لكن ينبغي تعزير المميز على قياس ما مر ( وحربيا ) أو معاهدا لعدم التزامه ( وذميا ) ؛ لأنه لم يلتزم بالذمة مما لا يعتقده إلا ما يتعلق بالآدميين ( وموجرا ) مسكرا مقهرا إذ لا صنع له ( وكذا مكره على شربها على المذهب ) لرفع القلم عنه ويلزمه ككل آكل أو شارب حرام تقيؤه إن أطاقه كما في المجموع وغيره ولا نظر إلى عذره وإن لزمه التناول ؛ لأن استدامته في الباطن انتفاع به وهو محرم وإن حل ابتداؤه ولزوال سببه فاندفع استبعاد الأذرعي لذلك وأخذ غيره بمقتضى استبعاده ، وعلى نحو السكران إذا شرب مسكرا حد واحد ما لم يحد قبل شربه فيحد ثانيا .


