قوله تعالى : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا البيت إما فإنه يريد بيت الله الحرام ، واكتفى بذكر البيت مطلقا لدخول الألف واللام عليه ؛ إذ كانا يدخلان لتعريف المعهود أو الجنس ، وقد علم المخاطبون أنه لم يرد الجنس ، فانصرف إلى المعهود عندهم وهو الكعبة ، وقوله : مثابة للناس روي عن أن معناه أنهم يثوبون إليه في كل عام . الحسن
وعن ابن عباس : أنه لا ينصرف عنه أحد وهو يرى أنه قد قضى وطرا منه ، فهم يعودون إليه ، وقيل فيه : إنهم يحجون إليه فيثابون عليه ، قال ومجاهد : قال أهل اللغة : أصله من ثاب يثوب مثابة وثوابا : إذا رجع ؛ قال بعضهم : إنما أدخل الهاء عليه للمبالغة لما كثر من يثوب إليه ، كما يقال : نسابة وعلامة وسيارة وقال أبو بكر : هو كما قيل المقامة والمقام . الفراء
وإذا كان اللفظ محتملا لما تأوله السلف من رجوع الناس إليه في كل عام ، ومن قول من قال إنه لا ينصرف عنه أحد إلا وهو يحب العود إليه ومن أنهم يحجون إليه فيثابون ؛ فجائز أن يكون المراد ذلك كله . ويشهد لقول من قال إنهم يحبون العود إليه بعد الانصراف قوله تعالى : فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وقد نص هذا اللفظ على فعل الطواف ؛ إذ كان البيت مقصودا ومثابة للطواف ولا دلالة فيه على وجوبه ، وإنما يدل على أنه يستحق الثواب بفعله .
وربما احتج موجبو العمرة بهذه الآية ، فقالوا : إذا كان الله تعالى قد جعله مثابة للناس يعودون إليه مرة بعد أخرى فقد اقتضى العود إليه للعمرة بعد الحج وليس هذا بشيء ؛ لأنه ليس في اللفظ دليل الإيجاب ، وإنما فيه أنه جعل لهم العود إليه ووعدهم الثواب عليه ، وهذا إنما يقتضي الندب لا الإيجاب ؛ ألا ترى أن القائل : لك أن تعتمر ولك أن تصلي ، لا دلالة فيه على الوجوب وعلى أنه لم يخصص العود إليه بالعمرة دون الحج ؟ ومع ذلك فإن الحج فيه طواف القدوم وطواف الزيارة وطواف الصدر ، ويحصل بذلك كله العود إليه مرة بعد أخرى ، فإذا فعل ذلك فقد قضى عهدة اللفظ .
فلا دلالة فيه إذا على . وجوب العمرة