الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا البيت إما فإنه يريد بيت الله الحرام ، واكتفى بذكر البيت مطلقا لدخول الألف واللام عليه ؛ إذ كانا يدخلان لتعريف المعهود أو الجنس ، وقد علم المخاطبون أنه لم يرد الجنس ، فانصرف إلى المعهود عندهم وهو الكعبة ، وقوله : مثابة للناس روي عن الحسن أن معناه أنهم يثوبون إليه في كل عام .

وعن ابن عباس ومجاهد : أنه لا ينصرف عنه أحد وهو يرى أنه قد قضى وطرا منه ، فهم يعودون إليه ، وقيل فيه : إنهم يحجون إليه فيثابون عليه ، قال أبو بكر : قال أهل اللغة : أصله من ثاب يثوب مثابة وثوابا : إذا رجع ؛ قال بعضهم : إنما أدخل الهاء عليه للمبالغة لما كثر من يثوب إليه ، كما يقال : نسابة وعلامة وسيارة وقال الفراء : هو كما قيل المقامة والمقام .

وإذا كان اللفظ محتملا لما تأوله السلف من رجوع الناس إليه في كل عام ، ومن قول من قال إنه لا ينصرف عنه أحد إلا وهو يحب العود إليه ومن أنهم يحجون إليه فيثابون ؛ فجائز أن يكون المراد ذلك كله . ويشهد لقول من قال إنهم يحبون العود إليه بعد الانصراف قوله تعالى : فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وقد نص هذا اللفظ على فعل الطواف ؛ إذ كان البيت مقصودا ومثابة للطواف ولا دلالة فيه على وجوبه ، وإنما يدل على أنه يستحق الثواب بفعله .

وربما احتج موجبو العمرة بهذه الآية ، فقالوا : إذا كان الله تعالى قد جعله مثابة للناس يعودون إليه مرة بعد أخرى فقد اقتضى العود إليه للعمرة بعد الحج وليس هذا بشيء ؛ لأنه ليس في اللفظ دليل الإيجاب ، وإنما فيه أنه جعل لهم العود إليه ووعدهم الثواب عليه ، وهذا إنما يقتضي الندب لا الإيجاب ؛ ألا ترى أن القائل : لك أن تعتمر ولك أن تصلي ، لا دلالة فيه على الوجوب وعلى أنه لم يخصص العود إليه بالعمرة دون الحج ؟ ومع ذلك فإن الحج فيه طواف القدوم وطواف الزيارة وطواف الصدر ، ويحصل بذلك كله العود إليه مرة بعد أخرى ، فإذا فعل ذلك فقد قضى عهدة اللفظ .

فلا دلالة فيه إذا على وجوب العمرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية