ولما بين أنه يقص عليه [من] أنباء الرسل ما يثبت به فؤاده، قال مثبتا ومعللا بأنه الكتاب بعلة أخرى مشاهدة هي أخص من الأولى:
nindex.php?page=treesubj&link=28867_32238_34195_34225_28983nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3نحن نقص عليك وعظم هذه القصة بمظهر العظمة وأكد ذلك بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3أحسن القصص أي الاقتصاص
[ ص: 7 ] أو المقصوص بأن نتبع بعض الحديث كما نعلمه بعضا فنبينه أحسن البيان - لأنه من قص الأثر - تثبيتا لفؤادك وتصديقا لنبوتك وتأييدا على أحسن ترتيب وأحكم نظام وأكمل أسلوب وأوفى تحرير وأبدع طريقة مع ما نفصلها به من جواهر الحكم وبدائع المعاني من الأصول والفروع، وهي قصة
يوسف عليه السلام قصة طويلة هي في التوراة في نيف وعشرين ورقة لا يضبطها إلا حذاق أحبارهم، من تأمل اقتصاصها فيها أو في غيرها من تواريخهم ذاق معنى قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3أحسن القصص حتى لقد أسلم قوم من اليهود لما رأوا من حسن اقتصاصها، روى
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في أواخر الدلائل بسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما "
أن حبرا من اليهود دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وكان قارئا للتوراة فوافقه وهو يقرأ سورة يوسف عليه السلام كما أنزلت على موسى عليه السلام في التوراة فقال [له] الحبر: يا محمد ! من علمكها؟ قال: الله علمنيها، فرجع إلى اليهود فقال [لهم]: أتعلمون والله أن محمدا ليقرأ القرآن كما أنزل في التوراة! فانطلق بنفر منهم حتى دخلوا عليه فعرفوه بالصفة ونظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه، فجعلوا يستمعون إلى قراءته لسورة يوسف ، فتعجبوا منه وقالوا: يا محمد ! من علمكها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : علمنيها الله، فأسلم [ ص: 8 ] القوم عند ذلك " .
وقد ضمنها سبحانه من النكت والعبر والحكم أمرا عظيما، وذكر فيها
nindex.php?page=treesubj&link=31895حسن مجاورة يوسف عليه الصلاة والسلام لإخوته وصبره على أذاهم وحلمه عنهم وإغضاءه عند لقائهم عن تبكيتهم وكرمه في العفو، والأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين والإنس والجن والأنعام والطير وسير الملوك والمماليك والتجار والعلماء والجهال والرجال والنساء ومكرهن والتوحيد والنبوة والإعجاز والتعبير والسياسة والمعاشرة وتدبير المعاش وجميع الفوائد التي تصلح للدين والدنيا، وذكر الحبيب والمحبوب، ولم يدخل فيها شيئا من غيرها دون سائر القصص، وكان عقابها إلى خير وسلامة واجتماع شمل وعفو من الله وتجاوز عن الكل
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3بما أوحينا أي بسبب إيحائنا
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3إليك
ولما كان إنزال القرآن مجمع الخيرات، عين المراد بالإشارة واسم العلم فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3هذا القرآن الذي قالوا فيه: إنه مفترى، فنحن نتابع فيه القصص بعد قصة بعد قصة والحكم حكمة في أثر حكمة حتى لا يشك شاك ولا يمتري ممتر في أنه من عندنا وبإذننا ويكون أمره في البعد من اللبس أظهر من الشمس.
ولما كانوا مع معرفتهم به صلى الله عليه وسلم عارفين بأنه كان
[ ص: 9 ] مباعدا للعلم والعلماء، وكان فعلهم في التكذيب فعل من ينكر ذلك، قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3وإن أي وإن الشأن والحديث
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3كنت ولما كان كونه لم يستغرق الزمان الماضي، أثبت الجار فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3من قبله أي هذا الكتاب أو إيحائنا إليك به
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3لمن الغافلين أي عن هذه القصة وغيرها، مؤكدا له بأنواع التأكيد، وهو ناظر إلى قوله آخرها
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=102وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون بعد التفاته عن كثب إلى آخر التي قبلها
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=123وما ربك بغافل عما تعملون والحسن : معنى يتقبله العقل ويطرق إلى طلب المتصف به أنواع الحيل، ومادة، غفل، بكل ترتيب تدور على الستر والحجب، من الغلاف الذي يوضع فيه الشيء فلا ينظر منه شيئا ولا ينظره شيء ما دام فيه، ومنه الغفلة - للجلدة التي على الكمرة، والغفل - بالضم: ما لا علاقة [له] من الأرض، ودابة غفل، لا سمة لها، لأن عدم العلامة مؤد إلى الجهل بها فكأنها في غلاف لا ينظر منه، ومنه رجل غفل: لا حسب عنده، لأن ذلك أقرب إلى جهله، والتغفل: الختل، أي أخذ الشيء من غير أن يشعر، فقد ظهر أن مقصود السورة وصف الكتاب بعد الحكمة والتفصيل بالإبانة عن جميع المقاصد المنزل لها; وقال الإمام
أبو جعفر بن الزبير : هذه السورة من جملة ما قص
[ ص: 10 ] عليه صلى الله عليه وسلم من أنباء الرسل وأخبار من تقدمه مما فيه التثبيت الممنوح في قوله سبحانه وتعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=120وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ومما وقعت الإحالة عليه في سورة الأنعام - كما تقدم - وإنما أفردت على حدتها ولم تنسق على قصص الرسل مع أنهم في سورة واحدة لمفارقة مضمونها تلك القصص، ألا ترى أن تلك قصص إرسال من تقدم ذكرهم عليهم الصلاة والسلام وكيفية تلقي قومهم لهم وإهلاك مكذبيهم، أما هذه القصة فحاصلها فرج بعد شدة وتعريف بحسن عاقبة الصبر، فإنه تعالى امتحن
يعقوب عليه الصلاة والسلام بفقد ابنيه وبصره وشتات بنيه، وامتحن
يوسف عليه الصلاة والسلام بالجب والبيع وامرأة العزيز وفقد الأب والإخوة والسجن، ثم امتحن جميعهم بشمول الضر وقلة ذات اليد
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=88مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ثم تداركهم الله بالفهم وجمع شملهم ورد بصر أبيهم وائتلاف قلوبهم ورفع ما نزع به الشيطان وخلاص
يوسف عليه الصلاة والسلام من كيد كاده واكتنافه بالعصمة وبراءته عند الملك والنسوه، وكل ذلك مما أعقبه جميل الصبر وجلاله اليقين في حسن تلقي الأقدار بالتفويض والتسليم على توالي الامتحان وطول المدة، ثم انجر في أثناء هذه القصة الجليلة إنابة
[ ص: 11 ] امرأة العزيز ورجوعها إلى الحق وشهادتها
ليوسف عليه الصلاة والسلام بما منحه الله من النزاهة عن كل ما يشين، ثم استخلاص العزيز إياه - إلى ما انجر في هذه القصة الجليلة من العجائب والعبر
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب فقد انفردت هذه القصة بنفسها ولم تناسب ما ذكر من قصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم الصلاة والسلام وما جرى في أممهم، فلهذا فصلت عنهم، وقد أشار في سورة برأسها إلى
nindex.php?page=treesubj&link=19579_19572عاقبة من صبر ورضى وسلم ليتنبه المؤمنون على ما في طي ذلك، وقد صرح لهم مما أجملته هذه السورة من الإشارة في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض - إلى قوله " آمنا " وكانت قصة
يوسف عليه الصلاة والسلام بجملتها أشبه شيء بحال المؤمنين في مكابدتهم في أول الأمر وهجرتهم وتشققهم مع قومهم وقلة ذات أيديهم إلى أن جمع الله شملهم
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وأورثهم [الله] الأرض وأيدهم ونصرهم، ذلك بجليل إيمانهم وعظيم صبرهم، فهذا ما أوجب تجرد هذه القصة عن تلك القصص - والله أعلم، وأما تأخر ذكرها عنها فمناسب لحالها ولأنها إخبار بعاقبة من آمن واتعظ ووقف عند ما حد له، فلم يضره
[ ص: 12 ] ما كان، ولم تذكر إثر قصص الأعراف لما بقي من استيفاء تلك القصص الحاصل ذلك في سورة هود; ثم إن ذكر أحوال المؤمنين مع من كان معهم من المنافقين وصبرهم عليهم مما يجب أن يتقدم ويعقب بهذه القصة من حيث عاقبة [الصبر] والحض عليه - كما مر، فأخرت إلى عقب سورة هود عليه الصلاة والسلام لمجموع هذا - والله تعالى أعلم; ثم ناسبت سورة
يوسف عليه الصلاة والسلام أيضا أن تذكر إثر قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=115واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة -الآية، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=121وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=122وانتظروا إنا منتظرون فتدبر ذلك، إما نسبتها للأولى فإن ندم إخوة
يوسف عليه الصلاة والسلام واعترافهم بخطاء فعلهم وفضل
يوسف عليه الصلاة والسلام عليهم
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=91لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين وعفوه عنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=92لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وندم امرأة العزيز وقولها
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51الآن حصحص الحق - الآية، كل هذا من باب إذهاب الحسنة السيئة، وكأن ذلك مثال
[ ص: 13 ] لما عرف المؤمنون من إذهاب الحسنة السيئة; وأما نسبة السورة لقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=115واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين فإن هذا أمر منه سبحانه لنبيه عليه الصلاة والسلام بالصبر على قومه، فأتبع بحال
يعقوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام وما كان من أمرهما وصبرهما مع طول المدة وتوالى امتحان
يوسف عليه الصلاة والسلام بالجب ومفارقة الأب والسجن حتى خلصه الله أجمل خلاص بعد طول تلك المشقات، ألا ترى قول نبينا وقد ذكر
يوسف عليه الصلاة والسلام فشهد له بجلالة الحال وعظيم الصبر فقال "
nindex.php?page=hadith&LINKID=653121ولو لبثت في السجن ما لبث أخي يوسف لأجبت الداعي " فتأمل عذره له عليهما الصلاة والسلام وشهادته بعظيم قدر
يوسف عليهما الصلاة والسلام
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=120وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك
لما قيل له
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=115واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين أتبع بحال
يعقوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام من المحسنين
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=84ووهبنا له إسحاق ويعقوب - إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=84وكذلك نجزي المحسنين وقد شملت الآية ذكر
يعقوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام، ونبينا عليه أفضل الصلاة والسلام قد أمر بالاقتداء في الصبر بهم، وقيل له
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=35فاصبر [ ص: 14 ] كما صبر أولو العزم من الرسل ويوسف عليه الصلاة والسلام من أولي العزم; ثم إن حال
يعقوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام - في صبرهما ورؤية حسن عاقبة الصبر في الدنيا مع ما أعد الله لهما من عظيم الثواب - أنسب شيء لحال نبينا عليه الصلاة والسلام في مكابدة
قريش ومفارقة وطنه، ثم تعقب ذلك بظفره بعدوه وإعزاز دينه وإظهار كلمته ورجوعه إلى بلده على حالة قرت بها عيون المؤمنين وما فتح الله عليه وعلى أصحابه - فتأمل ذلك، ويوضح ما ذكرنا ختم السورة بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا الآية فحاصل هذا كله الأمر بالصبر وحسن عواقب أولياء الله فيه; وأما النسبة لقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين فلا أنسب لهذا ولا أعجب من حال إخوة فضلاء لأب واحد من أنبياء الله تعالى وصالحي عباده جرى بينهم من التشتت ما جعله الله عبرة لأولي الألباب; وأما النسبة لآية التهديد فبينة، وكأن الكلام في قوة " اعملوا على مكانتكم - وانتظروا "
[ ص: 15 ] فلن نصبر عليكم مدة صبر
يعقوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام، فقد وضح بفضل الله وجه ورود هذه السورة عقب سورة هود - والله أعلم. انتهى.
وَلَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ يَقُصُّ عَلَيْهِ [مِنْ] أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا يُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَهُ، قَالَ مُثْبِتًا وَمُعَلِّلًا بِأَنَّهُ الْكِتَابُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى مُشَاهَدَةٍ هِيَ أَخَصُّ مِنَ الْأُولَى:
nindex.php?page=treesubj&link=28867_32238_34195_34225_28983nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ وَعَظَّمَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِمَظْهَرِ الْعَظَمَةِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3أَحْسَنَ الْقَصَصِ أَيِ الِاقْتِصَاصِ
[ ص: 7 ] أَوِ الْمَقْصُوصِ بِأَنْ نَتَّبِعَ بَعْضَ الْحَدِيثِ كَمَا نُعَلِّمُهُ بَعْضًا فَنُبَيِّنُهُ أَحْسَنَ الْبَيَانِ - لِأَنَّهُ مَنْ قَصِّ الْأَثَرِ - تَثْبِيتًا لِفُؤَادِكَ وَتَصْدِيقًا لِنُبُوَّتِكَ وَتَأْيِيدًا عَلَى أَحْسَنِ تَرْتِيبٍ وَأَحْكَمِ نِظَامٍ وَأَكْمَلِ أُسْلُوبٍ وَأَوْفَى تَحْرِيرٍ وَأَبْدَعِ طَرِيقَةٍ مَعَ مَا نُفَصِّلُهَا بِهِ مِنْ جَوَاهِرِ الْحِكَمِ وَبَدَائِعِ الْمَعَانِي مِنَ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَهِيَ قِصَّةُ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ هِيَ فِي التَّوْرَاةِ فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ وَرَقَةً لَا يَضْبُطُهَا إِلَّا حُذَّاقَ أَحْبَارِهِمْ، مَنْ تَأَمَّلَ اقْتِصَاصُهَا فِيهَا أَوْ فِي غَيْرِهَا مِنْ تَوَارِيخِهِمْ ذَاقَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3أَحْسَنَ الْقَصَصِ حَتَّى لَقَدْ أَسْلَمَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ لِمَا رَأَوْا مِنْ حُسْنِ اقْتِصَاصِهَا، رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيُّ فِي أَوَاخِرِ الدَّلَائِلِ بِسَنَدِهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا "
أَنَّ حَبْرًا مِنَ الْيَهُودِ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَكَانَ قَارِئًا لِلتَّوْرَاةِ فَوَافَقَهُ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ [لَهُ] الْحَبْرُ: يَا مُحَمَّدُ ! مَنْ عَلَّمَكَهَا؟ قَالَ: اللَّهُ عَلَّمَنِيهَا، فَرَجَعَ إِلَى الْيَهُودِ فَقَالَ [لَهُمْ]: أَتَعْلَمُونَ وَاللَّهِ أَنَّ مُحَمَّدًا لَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ! فَانْطَلَقَ بِنَفَرٍ مِنْهُمْ حَتَّى دَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرِفُوهُ بِالصِّفَةِ وَنَظَرُوا إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَجَعَلُوا يَسْتَمِعُونَ إِلَى قِرَاءَتِهِ لِسُورَةِ يُوسُفَ ، فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ وَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ ! مَنْ عَلَّمَكَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَّمَنِيهَا اللَّهُ، فَأَسْلَمَ [ ص: 8 ] الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ " .
وَقَدْ ضَمَّنَهَا سُبْحَانَهُ مِنَ النُّكَتِ وَالْعِبَرِ وَالْحَكَمِ أَمْرًا عَظِيمًا، وَذَكَرَ فِيهَا
nindex.php?page=treesubj&link=31895حُسَنَ مُجَاوَرَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِإِخْوَتِهِ وَصَبْرُهُ عَلَى أَذَاهُمْ وَحِلْمَهُ عَنْهُمْ وَإِغْضَاءَهُ عِنْدَ لِقَائِهِمْ عَنْ تَبْكِيتِهِمْ وَكَرَمَهُ فِي الْعَفْوِ، وَالْأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ وَالْمَلَائِكَةَ وَالشَّيَاطِينَ وَالْإِنْسَ وَالْجِنَّ وَالْأَنْعَامَ وَالطَّيْرَ وَسِيَرَ الْمُلُوكِ وَالْمَمَالِيكِ وَالتُّجَّارِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْجُهَّالِ وَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَمَكْرِهِنَّ وَالتَّوْحِيدَ وَالنُّبُوَّةَ وَالْإِعْجَازَ وَالتَّعْبِيرَ وَالسِّيَاسَةَ وَالْمُعَاشَرَةَ وَتَدْبِيرَ الْمَعَاشِ وَجَمِيعَ الْفَوَائِدِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَذَكَرَ الْحَبِيبَ وَالْمَحْبُوبَ، وَلَمْ يُدْخِلْ فِيهَا شَيْئًا مِنْ غَيْرِهَا دُونَ سَائِرِ الْقِصَصِ، وَكَانَ عِقَابُهَا إِلَى خَيْرٍ وَسَلَامَةٍ وَاجْتِمَاعِ شَمْلٍ وَعَفْوٍ مِنَ اللَّهِ وَتَجَاوُزٍ عَنِ الْكُلِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3بِمَا أَوْحَيْنَا أَيْ بِسَبَبِ إِيحَائِنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3إِلَيْكَ
وَلَمَّا كَانَ إِنْزَالُ الْقُرْآنِ مَجْمَعَ الْخَيِّرَاتِ، عَيَّنَ الْمُرَادَ بِالْإِشَارَةِ وَاسْمِ الْعَلَمِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي قَالُوا فِيهِ: إِنَّهُ مُفْتَرَى، فَنَحْنُ نُتَابِعُ فِيهِ الْقِصَصَ بَعْدَ قِصَّةٍ بَعْدَ قِصَّةِ وَالْحِكَمَ حِكْمَةً فِي أَثَرِ حِكْمَةٍ حَتَّى لَا يَشُكَّ شَاكٌّ وَلَا يَمْتَرِيَ مُمْتَرٍ فِي أَنَّهُ مِنْ عِنْدِنَا وَبِإِذْنِنَا وَيَكُونُ أَمْرُهُ فِي الْبُعْدِ مِنَ اللَّبْسِ أَظْهَرُ مِنَ الشَّمْسِ.
وَلَمَّا كَانُوا مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَارِفِينَ بِأَنَّهُ كَانَ
[ ص: 9 ] مُبَاعِدًا لِلْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ، وَكَانَ فِعْلُهُمْ فِي التَّكْذِيبِ فِعْلُ مَنْ يُنْكِرُ ذَلِكَ، قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3وَإِنْ أَيْ وَإِنَّ الشَّأْنَ وَالْحَدِيثَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3كُنْتَ وَلَمَّا كَانَ كَوْنُهُ لَمْ يَسْتَغْرِقِ الزَّمَانَ الْمَاضِيَ، أَثْبَتَ الْجَارُ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3مِنْ قَبْلِهِ أَيْ هَذَا الْكِتَابِ أَوْ إِيحَائِنَا إِلَيْكَ بِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3لَمِنَ الْغَافِلِينَ أَيْ عَنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَغَيْرِهَا، مُؤَكِّدًا لَهُ بِأَنْوَاعِ التَّأْكِيدِ، وَهُوَ نَاظِرٌ إِلَى قَوْلِهِ آخِرِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=102وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ بَعْدَ الْتِفَاتِهِ عَنْ كَثَبٍ إِلَى آخَرَ الَّتِي قَبِلَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=123وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وَالْحُسْنُ : مَعْنًى يَتَقَبَّلُهُ الْعَقْلُ وَيَطْرُقُ إِلَى طَلَبِ الْمُتَّصِفِ بِهِ أَنْوَاعَ الْحِيَلِ، وَمَادَّةُ، غَفَلَ، بِكُلِّ تَرْتِيبٍ تَدُورُ عَلَى السَّتْرِ وَالْحَجْبِ، مِنَ الْغِلَافِ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ فَلَا يَنْظُرُ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يَنْظُرُهُ شَيْءٌ مَا دَامَ فِيهِ، وَمِنْهُ الْغَفْلَةُ - لِلْجِلْدَةِ الَّتِي عَلَى الْكَمَرَةِ، وَالْغُفْلِ - بِالضَّمِّ: مَا لَا عَلَاقَةَ [لَهُ] مِنَ الْأَرْضِ، وَدَابَّةٌ غُفْلٌ، لَا سِمَةَ لَهَا، لِأَنَّ عَدَمَ الْعَلَّامَةِ مُؤْدٍ إِلَى الْجَهْلِ بِهَا فَكَأَنَّهَا فِي غِلَافٍ لَا يَنْظُرُ مِنْهُ، وَمِنْهُ رَجُلٌ غُفْلٌ: لَا حَسَبَ عِنْدِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى جَهْلِهِ، وَالتَّغَفُّلِ: الْخَتْلُ، أَيْ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْعُرَ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَقْصُودَ السُّورَةِ وَصْفُ الْكِتَابِ بَعْدَ الْحِكْمَةِ وَالتَّفْصِيلِ بِالْإِبَانَةِ عَنْ جَمِيعِ الْمَقَاصِدِ الْمُنْزِلِ لَهَا; وَقَالَ الْإِمَامُ
أَبُو جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ : هَذِهِ السُّورَةُ مِنْ جُمْلَةِ مَا قُصَّ
[ ص: 10 ] عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْبَاءٍ الرُّسُلِ وَأَخْبَارِ مِنْ تَقَدُّمَهُ مِمَّا فِيهِ التَّثْبِيتُ الْمَمْنُوحُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=120وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَمِمَّا وَقَعَتِ الْإِحَالَةُ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ - كَمَا تَقَدَّمَ - وَإِنَّمَا أُفْرِدَتْ عَلَى حِدَّتِهَا وَلَمْ تُنَسَّقْ عَلَى قَصَصِ الرُّسُلِ مَعَ أَنَّهُمْ فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ لِمُفَارَقَةِ مَضْمُونِهَا تِلْكَ الْقَصَصِ، أَلَّا تَرَى أَنَّ تِلْكَ قَصَصُ إِرْسَالِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرَهُمْ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَيْفِيَّةَ تَلَقِّي قَوْمِهِمْ لَهُمْ وَإِهْلَاكِ مُكَذِّبِيهِمْ، أَمَّا هَذِهِ الْقِصَّةُ فَحَاصِلُهَا فَرَجٌ بَعْدَ شِدَّةٍ وَتَعْرِيفٌ بِحُسْنِ عَاقِبَةِ الصَّبْرِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى امْتَحَنَ
يَعْقُوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِفَقْدِ ابْنَيْهِ وَبَصَرِهِ وَشَتَاتِ بَنِيهِ، وَامْتَحَنَ
يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْجُبِّ وَالْبَيْعِ وَامْرَأَةِ الْعَزِيزِ وَفَقْدِ الْأَبِ وَالْإِخْوَةِ وَالسِّجْنِ، ثُمَّ امْتَحَنَ جَمِيعَهُمْ بِشُمُولِ الضُّرِّ وَقِلَّةِ ذَاتِ الْيَدِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=88مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ثُمَّ تَدَارَكَهُمُ اللَّهُ بِالْفَهْمِ وَجَمْعِ شَمْلِهِمْ وَرَدِّ بَصَرِ أَبِيهِمْ وَائْتِلَافِ قُلُوبِهِمْ وَرَفْعِ مَا نَزَعَ بِهِ الشَّيْطَانُ وَخَلَاصِ
يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ كَيْدٍ كَادَهُ وَاكْتِنَافِهِ بِالْعِصْمَةِ وَبَرَاءَتِهِ عِنْدَ الْمَلِكِ وَالنَّسْوِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا أَعْقَبَهُ جَمِيلُ الصَّبْرِ وَجَلَالُهُ الْيَقِينِ فِي حُسْنِ تَلَقِّي الْأَقْدَارِ بِالتَّفْوِيضِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَى تَوَالِي الِامْتِحَانِ وَطُولِ الْمُدَّةِ، ثُمَّ انْجَرَّ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْجَلِيلَةِ إِنَابَةُ
[ ص: 11 ] امْرَأَةِ الْعَزِيزِ وَرُجُوعِهَا إِلَى الْحَقِّ وَشَهَادَتِهَا
لِيُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِمَا مَنَحَهُ اللَّهُ مِنَ النَّزَاهَةِ عَنْ كُلِّ مَا يَشِينُ، ثُمَّ اسْتِخْلَاصِ الْعَزِيزِ إِيَّاهُ - إِلَى مَا انْجَرَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْجَلِيلَةِ مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْعِبَرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ فَقَدِ انْفَرَدَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ بِنَفْسِهَا وَلَمْ تُنَاسِبْ مَا ذُكِرَ مِنْ قَصَصِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَلُوطٍ وَشُعَيْبَ وَمُوسَى عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمَا جَرَى فِي أُمَمِهِمْ، فَلِهَذَا فُصِلَتْ عَنْهُمْ، وَقَدْ أَشَارَ فِي سُورَةٍ بِرَأْسِهَا إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19579_19572عَاقِبَةِ مِنْ صَبَرَ وَرَضَى وَسَلَّمَ لِيَتَنَبَّهَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى مَا فِي طَيِّ ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ لَهُمْ مِمَّا أَجْمَلَتْهُ هَذِهِ السُّورَةُ مِنَ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ - إِلَى قَوْلِهِ " آمِنًا " وَكَانَتْ قِصَّةُ
يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِجُمْلَتِهَا أَشْبَهُ شَيْءٍ بِحَالِ الْمُؤْمِنِينَ فِي مُكَابَدَتِهِمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَهِجْرَتِهِمْ وَتَشَقُّقِهِمْ مَعَ قَوْمِهِمْ وَقِلَّةِ ذَاتِ أَيْدِيهِمْ إِلَى أَنْ جَمَعَ اللَّهُ شَمَلَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَأَوْرَثَهُمُ [اللَّهُ] الْأَرْضَ وَأَيَّدَهُمْ وَنَصَرَهُمْ، ذَلِكَ بِجَلِيلِ إِيمَانِهِمْ وَعَظِيمِ صَبْرِهِمْ، فَهَذَا مَا أَوْجَبَ تَجَرُّدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَنْ تِلْكَ الْقَصَصِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا تَأَخُّرُ ذِكْرِهَا عَنْهَا فَمُنَاسِبٌ لِحَالِهَا وَلِأَنَّهَا إِخْبَارٌ بِعَاقِبَةِ مَنْ آمَنَ وَاتَّعَظَ وَوَقَفَ عِنْدَ مَا حَدَّ لَهُ، فَلَمْ يَضُرُّهُ
[ ص: 12 ] مَا كَانَ، وَلَمْ تُذْكَرْ إِثْرَ قَصَصِ الْأَعْرَافِ لِمَا بَقِيَ مِنَ اسْتِيفَاءِ تِلْكَ الْقَصَصِ الْحَاصِلِ ذَلِكَ فِي سُورَةِ هُودٍ; ثُمَّ إِنَّ ذِكْرَ أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ مَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَصَبْرِهِمْ عَلَيْهِمْ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَيُعَقِّبَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ حَيْثُ عَاقِبَةُ [الصَّبْرِ] وَالْحَضُّ عَلَيْهِ - كَمَا مَرَّ، فَأُخِّرَتْ إِلَى عَقِبِ سُورَةِ هُودٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمَجْمُوعِ هَذَا - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ; ثُمَّ نَاسَبَتْ سُورَةُ
يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَيْضًا أَنْ تَذْكُرَ إِثْرَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=115وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً -الْآيَةُ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=121وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=122وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ، إِمَّا نِسْبَتُهَا لِلْأَوْلَى فَإِنَّ نَدَمَ إِخْوَةِ
يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاعْتِرَافَهُمْ بِخَطَّاءِ فِعْلِهِمْ وَفَضْلِ
يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=91لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ وَعَفْوِهِ عَنْهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=92لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَنَدَمِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ وَقَوْلِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ - الْآيَةُ، كُلُّ هَذَا مِنْ بَابِ إِذْهَابِ الْحَسَنَةِ السَّيِّئَةِ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ مِثَالٌ
[ ص: 13 ] لِمَا عَرَفَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ إِذْهَابِ الْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ; وَأَمَّا نِسْبَةُ السُّورَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=115وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالصَّبْرِ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَتْبَعَ بِحَالِ
يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمَا وَصَبْرِهِمَا مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَتَوَالَى امْتِحَانِ
يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْجُبِّ وَمُفَارَقَةِ الْأَبِ وَالسِّجْنِ حَتَّى خَلَّصَهُ اللَّهُ أَجْمَلَ خَلَاصٍ بَعْدَ طُولِ تِلْكَ الْمَشَقَّاتِ، أَلَّا تَرَى قَوْلَ نَبِيِّنَا وَقَدْ ذَكَّرَ
يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَشَهِدَ لَهُ بِجَلَالَةِ الْحَالِ وَعَظِيمِ الصَّبْرِ فَقَالَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=653121وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ أَخِي يُوسُفَ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ " فَتَأَمَّلْ عُذْرَهُ لَهُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَشَهَادَتَهُ بِعَظِيمِ قَدْرِ
يُوسُفَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=120وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ
لَمَّا قِيلَ لَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=115وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ أَتَّبِعْ بِحَالِ
يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=84وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ - إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=84وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَقَدْ شَمِلَتِ الْآيَةُ ذِكْرَ
يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَنَبِيِّنَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ أَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ فِي الصَّبْرِ بِهِمْ، وَقِيلَ لَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=35فَاصْبِرْ [ ص: 14 ] كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَيُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ; ثُمَّ إِنَّ حَالَ
يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي صَبْرِهِمَا وَرُؤْيَةِ حُسْنِ عَاقِبَةِ الصَّبْرِ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمَا مِنْ عَظِيمِ الثَّوَابِ - أَنْسُبُ شَيْءٍ لِحَالِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي مُكَابَدَةِ
قُرَيْشٍ وَمُفَارَقَةِ وَطَنِهِ، ثُمَّ تَعَقَّبَ ذَلِكَ بِظَفْرِهِ بِعَدْوِهِ وَإِعْزَازِ دِينِهِ وَإِظْهَارِ كَلِمَتِهِ وَرُجُوعِهِ إِلَى بَلَدِهِ عَلَى حَالَةٍ قَرَّتْ بِهَا عُيُونُ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ - فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَيُوَضِّحُ مَا ذَكَرْنَا خَتْمُ السُّورَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا الْآيَةُ فَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ وَحُسْنُ عَوَاقِبِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ فِيهِ; وَأَمَّا النِّسْبَةُ لِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ فَلَا أَنْسَبُ لِهَذَا وَلَا أَعْجَبُ مِنْ حَالِ إِخْوَةٍ فُضَلَاءَ لِأَبٍ وَاحِدٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَالِحِي عِبَادِهِ جَرَى بَيْنَهُمْ مِنَ التَّشَتُّتِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ عِبْرَةً لِأُولِي الْأَلْبَابِ; وَأَمَّا النِّسْبَةُ لِآيَةِ التَّهْدِيدِ فَبَيِّنَةٌ، وَكَأَنَّ الْكَلَامَ فِي قُوَّةٍ " اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ - وَانْتَظِرُوا "
[ ص: 15 ] فَلَنْ نَصْبِرَ عَلَيْكُمْ مُدَّةَ صَبْرِ
يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَدْ وَضَّحَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَجْهَ وُرُودِ هَذِهِ السُّورَةِ عَقِبَ سُورَةِ هُودٍ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.