الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا الفعل لا يتم حسنه إلا إذا كان عند غلبة الهوى وترامي الشهوة كما هو شأن الرجولية، قال تعالى ردا على من يتوهم ضد ذلك: ولقد همت به أي أوقعت الهم، وهو القصد الثابت والعزم الصادق المتعلق بمواقعته، ولا مانع لها من دين ولا عقل ولا عجز فاشتد طلبها وهم بها كما هو شأن الفحول عند توفر الأسباب لولا أن رأى أي بعين قلبه برهان ربه الذي آتاه إياه من الحكم والعلم، أي لهم بها، لكنه [لما -] كان البرهان حاضرا لديه حضور من يراه بالعين، لم يغطه وفور شهوة ولا غلبة هوى، فلم يهم أصلا مع كونه في غاية الاستعداد لذلك لما آتاه الله من القوة مع كونه في سن الشباب، فلولا المراقبة لهم بها التوفر الدواعي غير أن نور الشهود محاها أصلا، وهذا التقدير هو اللائق بمثل مقامه مع أنه هو الذي تدل [ ص: 64 ] عليه أساليب هذه الآيات من جعله من المخلصين والمحسنين المصروف عنهم السوء، وأن السجن أحب إليه من ذلك، مع قيام القاطع على كذب ما تضمنه قولها ما جزاء من أراد بأهلك سوءا - الآية، من مطلق الإرادة، ومع ما تحتم تقدير ما ذكر بعد "لولا" في خصوص هذا التركيب من أساليب كلام العرب، فإنه يجب أن يكون المقدر بعد كل شرط من معنى ما دل عليه ما قبله، وهذا مثل قوله تعالى إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها أي لأبدت به، وأما ما ورد عن السلف مما يعارض ذلك فلم يصح منه شيء عن أحد منهم مع [أن -] الأقوال التي رويت عنهم إذا جمعت تناقضت فتكاذبت، ولا يساعد على شيء منها كلام العرب لأنهم قدروا جواب "لولا" المحذوف بما لا دليل عليه من سابق الكلام ولا لاحقه - نبه على ذلك الإمام أبو حيان ، وسبقه إلى ذلك الإمام الرازي وقال: إن هذا قول المحققين من المفسرين، وأشبع في إقامة الدلائل على هذا بما يطرب الأسماع، وقدم ما يدل على جواب الشرط ليكون أول ما يقرع السمع ما يدل على أنه كان في غاية القدرة على الفعل، وأنه ما منعه منه إلا العلم بالله، فكأنه قيل: إن هذا التثبيت عظيم، فقيل إشارة إلى [ ص: 65 ] أنه لازم له كما هو شأن العصمة: كذلك أي مثل ذلك التثبيت نثبته في كل أمر لنصرف عنه السوء أي الهم بالزنا وغيره والفحشاء أي الزنا وغيره، فكأنه قيل: لم فعل به هذا؟ فقيل إنه من عبادنا أي الذين عظمناهم بما لنا من العظمة المخلصين أي هو في عداد الذين هم خير صرف، لا يخالطهم غش، ومن ذريتهم أيضا، وهذا مع قول إبليس [ لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين شهادة من إبليس -] أن يوسف عليه الصلاة والسلام بريء من الهم في هذه الواقعة; قال الإمام: فمن نسبه إلى الهم إن كان من أتباع دين الله فليقبل شهادة الله، وإن كان من أتباع إبليس وجنوده فليقبل شهادة إبليس بطهارته، قال: ولعلهم يقولون: كنا تلامذة إبليس ثم زدنا عليه - كما قيل:


                                                                                                                                                                                                                                      وكنت فتى من جند إبليس فارتقى .... من الأمر حتى صار إبليس من جندي

                                                                                                                                                                                                                                          فلو مات قبلي كنت أحسن بعده
                                                                                                                                                                                                                                      .... طراييق فسق ليس يحسنها بعد



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية