[ ص: 66 ] ثم ذكر سبحانه وتعالى مبالغته في الامتناع بالجد في الهرب دليلا على إخلاصه وأنه لم يهم أصلا فقال: واستبقا الباب أي أوجد المسابقة بغاية الرغبة من كل منهما، هذا للهرب منها، وهذه لمنعه، فأوصل الفعل إلى المفعول بدون "إلى" ، دليلا على أن كلا منهما بذل أقصى جهده في السبق، فلحقته عند الباب الأقصى مع أنه كان قد سبقها بقوة الرجولية وقوة الداعية إلى الفرار إلى الله، ولكن عاقة إتقانها للمكر بكون الأبواب كانت مغلقة، فكان يشتغل بفتحها فتعلقت بأدنى ما وصلت إليه من قميصه، وهو ما كان من ورائه خوف فواته، فاشتد تعلقها به مع إعراضه هو عنها وهربه منها، ففتحه وأراد الخروج فمنعته "و" لم تزل تنازعه حتى " قدت قميصه " وكان القد من دبر أي الناحية الخلف منه، وانقطعت منه قطعة فبقيت في يدها وألفيا أي وجدا مع ما بهما من الغبار والهيئة التي لا تليق بهما سيدها أي زوجها، ولم يقل: سيدهما، لأن يوسف عليه الصلاة والسلام لم يدخل في رق - كما مضى - لأن المسلم لا يملك وهو السيد "لد" أي عند ذلك الباب أي الخارج، على كيفية غريبة جدا، هكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام لأن السيد لا يقدر [على -] [ ص: 67 ] فتحه فضلا عن الوصول إلى غيره لتغليق الجميع.
ولما علم السامع أنهما ألفياه وهما على هذه الحالة كان كأنه قيل: فما اتفق؟ فقيل: قالت مبادرة من غير حياء ولا تلعثم "ما" نافية، ويجوز أن تكون استفهامية جزاء من أراد أي منه ومن غيره كائنا من كان، لما لك من العظمة بأهلك سوءا أي ولو أنه غير الزنا إلا أن يسجن أي يودع في السجن إلى وقت ما، ليحكم فيه بما يليق أو عذاب أليم أي دائم ثابت غير السجن; والجزاء: مقابلة العمل بما هو حقه، هذا كان حالها عند المفاجأة، وأما هو عليه الصلاة والسلام فجرى على سجايا الكرام بأن سكت سترا عليها وتنزها عن ذكر الفحشاء،