وقوله: فإن كنت في شك مما أنـزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ؛ هذه آية قد كثر سؤال الناس عنها؛ وخوضهم فيها جدا؛ وفي السورة ما يدل على بيانها؛ وكشف حقيقتها: والمعنى أن الله - جل وعز - خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك الخطاب شامل للخلق.
فالمعنى: "إن كنتم في شك فاسألوا"؛ والدليل على ذلك قوله - في آخر السورة -: قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم
فأعلم الله - جل وعز - أن نبيه - صلى الله عليه وسلم - ليس في شك ؛ وأمره أن يتلو عليهم ذلك؛ ويروى عن أنه قال: لم يسأل؛ ولم يشك؛ فهذا بين جدا؛ والدليل على أن المخاطبة للنبي؛ مخاطبة للناس؛ قوله: الحسن يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ؛ فقال: "طلقتم"؛ ولفظ أول الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 33 ] وحده؛ فهذا أحسن الأقوال.
وفيها قولان آخران؛ "فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين"؛ كما تقول للرجل: "إن كنت أبي فتعطف علي"؛ أي: "إن كنت أبي فواجب أن تتعطف علي"؛ ليس أنه شك في أنه أبوه؛ وفيها وجه ثالث: أن تكون "أن"؛ في معنى "ما"؛ فيكون المعنى: "ما كنت في شك مما أنزلنا إليك؛ فاسأل الذين يقرؤون"؛ أي: "لسنا نأمرك لأنك شاك؛ ولكن لتزداد"؛ كما قال لإبراهيم : أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ؛ فالزيادة في التثبيت ليست مما يبطل صحة القصد.