( لكن الأصح ) ( تفضيل الراتبة ) للفرائض ( على التراويح ) ; لأنه صلى الله عليه وسلم واظب على تلك دون هذه فإنه صلاها ثلاث ليال ، فلما كثر الناس في الثالثة تركها خوفا من أن تفرض عليهم .
ولا يشكل هذا بحديث الإسراء { هي خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي } لاحتمال أن يكون المخوف افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطا في صحة النفل في الليل ويومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت { خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به ، فصلوا أيها الناس في بيوتكم } فمنعهم من التجميع في المسجد إشفاقا عليهم من اشتراطه ، وأمن مع إذنه في المواظبة على [ ص: 126 ] ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم ، أو يكون المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية لا على الأعيان ، فلا يكون ذلك قدرا زائدا على الخمس .
أو يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصة ; لأن ذاك كان في رمضان وهو وقت جد وتشمير ، وقيام رمضان غير متكرر في كل يوم في السنة فلا يكون ذلك قدرا زائدا على الخمس ، أو أنه خشى أن يكون افتراضها قد علق في اللوح المحفوظ على دوام إظهارها جماعة ، ولم يخش ذلك في غيرها لعلمه بعدم التعليق ، ومقابل الأصح تفضيل التراويح على الراتبة لسن الجماعة فيها ( و ) الأصح ( أن الجماعة تسن في التراويح ) لما مر من أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي وأجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم أو أكثرهم .
أو أصل مشروعيتها مجمع عليه ، وهي عشرون ركعة بعشر تسليمات في كل ليلة من رمضان ، لما روي أنهم كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة . وفي رواية لمالك في الموطأ بثلاث وعشرين .
وجمع البيهقي بينهما بأنهم كانوا يوترون بثلاث ، وقد جمع الناس على قيام شهر رمضان الرجال على أبي بن كعب ، والنساء على سليمان بن أبي حثمة ، وقد انقطع الناس عن فعلها جماعة في المسجد إلى ذلك ، وسميت كل أربع منها ترويحة ; لأنهم كانوا يتروحون عقبها : أي يستريحون .
قال الحليمي : والسر في كونها عشرين أن الرواتب : أي المؤكدة في غير [ ص: 127 ] رمضان عشر ركعات فضوعفت فيه ; لما مر ، ولأهل المدينة الشريفة فعلها ستا وثلاثين ; لأن العشرين خمس ترويحات ، فكان أهل مكة يطوفون بكل ترويحتين سبعة أشواط ، فجعل أهل المدينة بدل كل أسبوع ترويحة ليساووهم .
قالا : ولا يجوز ذلك لغيرهم ; لأن لهم شرفا بهجرته ، وبدفنه صلى الله عليه وسلم وهذا هو الأصح خلافا للحليمي ومن تبعه ، وفعلها بالقرآن في جميع الشهر أولى وأفضل من تكرير سورة الإخلاص ووقتها بعد صلاة العشاء ولو تقديما إلى طلوع الفجر الصادق ، ولا تصح بنية مطلقة كما في الروضة بل ينوي ركعتين من التراويح أو من قيام رمضان .
ولو صلى أربعا بتسليمة لم يصح إن كان عامدا عالما ، وإلا صارت نفلا مطلقا ; لأنه خلاف المشروع ، بخلاف سنة الظهر والعصر كما أفتى به المصنف ، وفرق بينهما بأن التراويح أشبهت الفرائض كما مر ، فلا [ ص: 128 ] تغير عما ورد . ويؤخذ منه كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى أنه لو أخر سنة الظهر التي قبلها وصلاها بعدها كان له أن يجمعها مع سنته التي بعدها بنية واحدة يجمع فيها بين القبلية والبعدية .
قال : بخلاف ما لو نوى سنة عيد الفطر والأضحى حيث لا يجوز ; لأنها قد اشتملت نيته على صلاة واحدة نصفها مؤدى ، ونصفها مقضي ولا نظير له في المذهب ; ولأن صلاة العيد شبيهة بالفرائض فلا تغير عما ورد ، نظير ما مر وما جرت به العادة من زيادة الوقود عند فعل التراويح خصوصا مع تنافس أهل الإسباع في الجامع الأزهر جائز إن كان فيه نفع ، وإلا حرم كما فيه نفع وهو من مال محجور أو وقف لم يشترطه واقفه ولم تطرد العادة به في زمنه وعلمها ، ولو جمع في ثلاث ركعات سنة العشاء ثنتين منها وواحدة الوتر لم يصح خلافا لصاحب البيان .


