وتصح كما لو اقتدى في الظهر بالصبح ، فإذا سلم الإمام قام ليتم صلاته والأولى له إتمامها منفردا ، فإن اقتدى به ثانيا في ركعتين أخريين من التراويح جاز كمنفرد اقتدى في أثناء صلاته بغيره . العشاء خلف التراويح
وتصح وعكسه لتوافق نظم أفعالهما ، والأولى له أن لا يوافقه في التكبير الزائد إن صلى الصبح خلف العيد أو الاستسقاء ، ولا في تركه أيضا إن عكس اعتبارا بصلاته ، ولا تضر موافقته في ذلك لأن الأذكار لا يضر فعلها وإن لم تندب ولا تركها وإن ندبت ، وليس في الاستسقاء استغفار كما يأتي في بابه فمن عبر بقوله لا يوافقه في الاستغفار : أي على القول به إن ثبت أن فيه قولا وإلا فهو وهم سرى له من الخطبة إلى الصلاة ( وإن أمكنه ) أي من صلى الصبح خلف غيرها ( القنوت في الثانية ) بأن وقف إمامه يسيرا ( قنت ) استحبابا تحصيلا للسنة مع عدم المخالفة ( وإلا ) أي وإن لم يمكنه ( تركه ) ندبا خوفا من التخلف ، لا يسجد للسهو لتحمل الإمام له عنه كما هو القياس خلافا الصبح خلف العيد والاستسقاء للإسنوي حيث زعم أن القياس سجوده ( وله فراقه ) بالنية ( ليقنت ) تحصيلا للسنة ولا كراهة فيه لعذره كما مر ، فلو لم ينو مفارقته وتخلف للقنوت أدركه في السجدة الأولى لم يضر ، ويفارق التشهد الأول بأنهما هنا اشتركا في الاعتدال فلم ينفرد به المأموم وثم انفرد بالجلوس ، ولا يرد على الفرق ما لو جلس إمامه للاستراحة في ظنه لأن جلسة الاستراحة هنا غير مطلوبة فلا عبرة بوجودها ، وظاهر كلام الشيخين وغيرهما هنا وأدركه في السجدة الأولى أنه لو لم يدركه فيها بطلت صلاته ، غير أنه ينافيه إطلاقهم الآتي أن التخلف بركن لا يبطل . لا يقال : هذا فيه مخالفة فاحشة ، وقد قالوا لو خالفه في سنة فعلا أو تركا وفحشت المخالفة كسجود التلاوة والتشهد الأول بطلت صلاته ، والتخلف للقنوت من هذا ; لأنا نقول : لو كان من هذا لقلنا ببطلان صلاته بهوي إمامه إلى السجود على ما أفتى به القفال ، وقد رجحنا [ ص: 218 ] خلافه فتعين أن التخلف للقنوت ليس من ذلك ، ويفرق بأن المتخلف لنحو التشهد الأول أحدث سنة يطول زمنها ولم يفعلها الإمام أصلا ففحشت المخالفة ، وأما تطويله للقنوت فليس فيه إحداث شيء لم يفعله إمامه فلم تفحش المخالفة إلا بالتخلف بتمام ركنين فعليين كما أطلقوه .
والحاصل أن الفحش في التخلف للسنة غيره في التخلف بالركن ، وأن الفرق أن إحداث ما لم يفعله إمامه مع طول زمنه فحش في ذاته فلم يحتج لضم شيء إليه ، بخلاف مجرد تطويل ما فعله إمامه فإنه مجرد صفة تابعة فلم يحصل الفحش به بل بتكرره ، فلم يؤثر منه إلا توالي ركنين تامين فليتأمل .
وحينئذ فقولهم هنا إذا لحقه في السجدة الأولى قيد لعدم الكراهة ، فلا بطلان حتى يهوي للسجدة الثانية ، وعلى هذا يحمل قول الزركشي المعروف عند الأصحاب إن التخلف للقنوت مبطل بدليل قوله في محل آخر وقد حكى الخلاف في ذلك لا خلاف ، بل القول بالبطلان مصور بما إذا فحشت المخالفة : أي بأن تأخر بركنين ، وكلام الرافعي ليس مفروضا فيه ويشهد لذلك قوله : إذا لحقه على القرب ( فإن اختلف فعلهما كمكتوبة وكسوف أو جنازة ) أو سجدة تلاوة أو شكر كما قاله البلقيني ( لم يصح ) الاقتداء في ذلك ( على الصحيح ) لمخالفته النظم وتعذر المتابعة معها . نعم يظهر صحة الاقتداء في الشكر بالتلاوة وعكسه . والثاني يصح لإمكانها في البعض ، وعليه رعاية ترتيب نفسه ولا يتابعه ، ففي الجنازة إذا كبر الإمام الثانية تخير بين مفارقته وانتظاره سلامه ولا يتابعه في التكبيرات وفي الكسوف تابعه في الركوع الأول ثم يرفع ويفارقه أو ينتظره راكعا إلى أن يركع ثانيا ويعتدل ويسجد معه ، ولا ينتظره بعد الرفع لما فيه من تطويل الركن القصير ، ولا فرق في عدم الصحة بين أن يعلم نية الإمام لها أو يجهلها وإن بان له ذلك قبل التكبيرة الثانية من صلاة الجنازة خلافا للروياني ومن تبعه . نعم إن كان الإمام في القيام الثاني فما بعده من الركعة الثانية من صلاة الكسوف صحت القدوة كما بحثه ابن الرفعة ، وتبعه جمع ويدل له تعليلهم عدم الصحة بتعذر المتابعة ولا تعذر فيها هنا ، والأوجه استمرار المنع في الجنازة وسجدتي الشكر والتلاوة إلى تمام السلام ، إذ موضوع الأولى على المخالفة إلى الفراغ منها بدليل أن سلامها من قيام ولا كذلك غيرها ، وأما في الأخيرتين فلأنهما ملحقان بالصلاة وليستا منها مع وجود المخالفة . لا يقال : ينبغي صحة القدوة بمصلي الكسوف ونحوه لأن الاقتداء به في القيام ولا مخالفة فيه ، ثم إذا انتهى إلى الأفعال المخالفة فإن فارقه استمرت الصحة وإلا بطلت ، كمن صلى في ثوب ترى عورته منه عند ركوعه ; لأنا نقول : لما تعذر الربط بتخالف النظم مع انعقادها لربطه صلاته [ ص: 219 ] بصلاة مخالفة لها في الماهية فكان هذا القصد ضارا ، وليس كمسألة من ترى عورته إذا ركع لأنه يمكنه الاستمرار بوضع شيء يستر عورته فافترقا ، أما لو صلى الكسوف كسنة الصبح صح الاقتداء بها مطلقا .
ولو ، وكذا لو رآه في وقت الكسوف وشك في أنه كسوف أو غيره . قال وجد مصليا جالسا وشك أهو في التشهد أو القيام لعجزه فهل له أن يقتدي به أو لا الزركشي وابن العماد : المتجه عدم الصحة ، لأن المأموم بعد الإحرام لا يعلم هل واجبه الجلوس أو القيام ، فإن ترجح عنده أحد الاحتمالين كأن رآه يصلي مفترشا أو متوركا فله أن يحرم معه ويجلس ، هذا إن كان فقيها ، فإن لم يكن فقيها لا يعرف هيئات الجلسات فكما لو لم يغلب على ظنه شيء ويصح الفرض خلف صلاة التسبيح كما جزم به بعضهم ، ونقل عن الكفاية : ولا تجب المفارقة في الاعتدال بل يجب انتظاره في السجود فيما يظهر ، وعلم من كلامه فيما مر في سجود السهو والتلاوة أنه يشترط أيضا لصحة الاقتداء به موافقة الإمام في سنن تفحش المخالفة فيها فعلا وتركا كسجدة تلاوة وسجود سهو وتشهد أول وقيام منه ، فإن خالفه فيها عامدا عالما بطلت صلاته على ما مر . نعم لا يضر تخلف لإتمامه بشرطه الآتي في شرح قوله فإن لم يكن عذر بخلاف نحو جلسة الاستراحة .