فصل فيما يجوز لبسه إن ذكر وما لا يجوز ولما ختم رضي الله عنه هذا الباب ببيان ما يحل لبسه للمحارب وغيره وما لا يحل اقتدى به الشافعي المصنف كالأكثرين فقال : فصل فيما يجوز لبسه لمن ذكر وما لا يجوز ولو قزا ( بفرش وغيره ) من تستر وتدثر واتخاذ ستر وغيرها من سائر وجوه الاستعمال لا مشيه عليه فيما يظهر ; لأنه لمفارقته له حالا لا يعد مستعملا له عرفا لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم { ( يحرم على الرجل ) والخنثى المشكل احتياطا ( استعمال الحرير ) لا تلبسوا الحرير ولا الديباج } وقول { حذيفة } ومر { نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه } ووجه الإمام تحريمه بأن فيه مع معنى الخيلاء أنه ثوب رفاهية وزينة وإبداء زي يليق بالنساء دون شهامة الرجال ، ولا ينافيه ما في الأم من كراهة لبس اللؤلؤ للرجل ، وعلله بأنه من زي النساء ; لأن الإمام لم يجعل زيهن وحده مقتضيا للتحريم بل مع ما انضم إليه مما ذكر ، على أن الذي صوبه في الروضة والمجموع حرمة التشبه بهن كعكسه لما يأتي ، فما في الأم إما مبني على أن ذلك مكروه [ ص: 374 ] أو محمول على أن مراده من جنس زي النساء لا أنه زي مخصوص بهن ، وقد ضبط أنه صلى الله عليه وسلم أخذ في يمينه قطعة حرير وفي شماله قطعة ذهب وقال : هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم ابن دقيق العيد ما يحرم التشبه بهن فيه بأنه ما كان مخصوصا بهن في جنسه وهيئته أو غالبا في زيهن ، وكذا يقال في عكسه وألحقوا بالرجل الخنثى للاحتياط كما مر ، والتقييد في بعض الأخبار باللبس والجلوس جرى على الغالب فيحرم ما عداهما كما دل عليه بقية الأخبار ، وأفتى الوالد رحمه الله تعالى بحرمة استعمال الحرير وإن لم يكن منسوجا بدليل استثنائهم من الحرمة خيط السبحة وليقة الدواة ، والأوجه عدم حرمة ; لأنه يشبه الاستحالة ( ويحل للمرأة لبسه ) لما مر في الخبر حل لإناثهم ، ولأن تزيين المرأة بذلك يدعو إلى الميل إليها ووطئها فيؤدي إلى ما طلبه الشارع من كثرة النسل ، ويجوز للرجل وغيره لبس ثوب خيط به ، ولا يأتي فيه تفصيل المضبب لأنه أهون ، ويحل منه خيط السبحة كما في المجموع ، ويلحق به كما قاله استعمال ورق الحرير في الكتابة ونحوها الزركشي ليقة الدواة لاستتارها بالحبر كإناء نقد غشي بغيره ; ولأنها أولى بانتفاء الخيلاء من التطريف ومثل ذلك فيما يظهر الخيط [ ص: 375 ] الذي ينظم فيه أغطية الكيزان ونحوها من العنبر والصندل ونحوهما والخيط الذي يعقد عليه المنطقة وهي التي يسمونها الحياصة بل أولى بالحل وجوز الفوراني للرجل منه كيس المصحف .
أما كيس الدراهم وغطاء العمامة منه فقد تقدم في الآنية أن الأرجح حرمته عليه ، ويجوز كما نقل عن لبس خلع الحرير ونحوه من الملوك الماوردي لقلة زمنه ، ولإلباس عمر سراقة سواري وجعل التاج على رأسه ، وإذا جاءت الرخصة في لبس الذهب للزمن اليسير في حالة الاختيار وأن ذلك القدر لا يعد استعمالا فالحرير أولى ، ذكره كسرى الزركشي وغيره ، والأولى في التعليل ما في مخالفة ذلك من خوف الفتنة لا كتابة الصداق فيه ولو للمرأة كما أفتى المصنف ونقله عن جماعة من الأصحاب ; وهو المعتمد وإن [ ص: 376 ] نوزع فيه ، وليس كخياطة أثواب كما زعمه الحرير للنساء الإسنوي وغيره وارتضاه الجوجري .
وقال في الإسعاد : إنه الأوجه ; لأن الخياطة لا استعمال فيها بخلاف الكتابة ولا اتخاذه بلا لبس كما أفتى به ابن عبد السلام .
قال : لكن إثمه دون إثم اللبس ، وما ذكره هو قياس إناء النقد ، لكن كلامهم ظاهر في الفرق بينهما من وجوه متعددة وهو الأوجه ، فلو حمل هذا على ما إذا اتخذه ليلبسه بخلاف ما إذا اتخذه لمجرد القنية لم يبعد ، ولا لبس درع نسج بقليل ذهب ، أو زر بأزراره ، أو خيط به لكثرة الخيلاء ، وقد أفتى ابن رزين بإثم من يفصل للرجال الكلوثات الحرير والأقماع ويشتري القماش الحرير ويبيعه لهم أو يخيطه لهم ، أو يصوغ الذهب للبسهم ( والأصح تحريم افتراشها ) إياه للسرف والخيلاء ، بخلاف اللبس فإنه يزينها للحليل كما مر .
والثاني يحل كلبسه وسيأتي ترجيحه .