[ ص: 106 ] كتاب الهدنة
من الهدون وهو السكون لسكون الفتنة بها ، إذ هي لغة المصالحة ، وشرعا : مصالحة أهل الحرب على ترك القتال المدة الآتية بعوض أو غيره ، وتسمى موادعة ومسالمة ومعاهدة ومهادنة .
والأصل فيها قبل الإجماع أول سورة براءة { قريشا عام الحديبية } ، وكانت سببا لفتح ومهادنته صلى الله عليه وسلم مكة لأن أهلها لما خالطوا المسلمين وسمعوا القرآن أسلم منهم خلق كثير أكثر ممن أسلم قبل ، وهي جائزة لا واجبة أصالة ، وإلا فالأوجه وجوبها إذا ترتب على تركها لحوق ضرر لنا لا يمكن تداركه كما يعلم مما يأتي كالهند ( يختص بالإمام ) ومثله مطاع بإقليم لا يصله حكم الإمام كما هو القياس في نظائره ( ونائبه فيها ) وحدها أو مع غيرها ولو بطريق العموم لما فيها من الخطر ووجوب رعاية مصلحتنا ( و ) عقدها ( لبلدة ) أو أكثر ولو لجميع أهل إقليمه كما صرح به ( عقدها ) لجميع الكفار أو ( لكفار إقليم ) العمراني وهو المعتمد ، وشمل ذلك ما لو فعله الوالي بغير إذن الإمام ( يجوز لوالي الإقليم أيضا ) أي كما يجوز للإمام أو نائبه لاطلاعه على مصالحه ، وبحث البلقيني جوازها مع بلدة مجاورة لإقليمه حيث رآه مصلحة فيها لأهل إقليمه لأنها حينئذ من تعلقات إقليمه ، نعم قوله إنه يتعين استئذان الإمام عند إمكانه يظهر حمله حيث تردد في وجه المصلحة ( وإنما تعقد لمصلحة كضعفنا بقلة عدد وأهبة ) إذ هو الحامل على المهادنة عام [ ص: 107 ] الحديبية ( أو ) عطف على ضعف ( رجاء إسلامهم أو بذل جزية ) أو إعانتهم لنا أو كفهم عن الإعانة علينا أو بعد دارهم ولو مع قوتنا في الجميع ( فإن لم يكن ) بنا ضعف كما في المحرر ورأى المصلحة فيها ( جازت أربعة أشهر ) ولو بدون غرض للآية السابقة ( لا سنة ) لأنها مدة الجزية فامتنع تقريرهم فيها بدون جزية ( وكذا دونها ) وفوق أربعة أشهر ( في الأظهر ) للآية أيضا ، نعم عقدها لنحو نساء ومال لا يتقيد بمدة ، والثاني يجوز لنقصها عن مدة الجزية ( ولضعف ) بنا ( تجوز عشر سنين ) فما دونها بحسب الحاجة ( فقط ) لأنها مدة مهادنة قريش ويمتنع الزيادة على القدر المحتاج إليه في الزائد على الأربعة مع الضعف ، وقول جمع بجوازها على العشر مع الحاجة إليها في عقود متعددة بشرط أن لا يزيد كل عقد على عشرة ، وهو قياس كلامهم في الوقف وغيره صحيح وإن زعم بعضهم أنه غريب ، وقال : إن المعنى المقتضي المنع ما زاد على العشر من كونها المنصوص عليها مع عدم علمنا بما يقع بعدها موجود مع التعدد ففيه مخالفة للنص لأن الأصل عدم الزيادة عليه ، وبه فارق نظائره .
نعم إن انقضت المدة مع بقاء الحاجة استأنفنا عقدا آخر وهكذا ، ولو زال نحو خوف أثناءها وجب إبقاؤها ويجتهد الإمام عند طلبهم لها ولا ضرر ويفعل الأصلح وجوبا