[ ص: 145 ] ( فصل ) في العقيقة
قال ابن أبي الدم : قال أصحابنا : يستحب تسميتها نسيكة أو ذبيحة ، ويكره تسميتها عقيقة كما يكره تسمية العشاء عتمة ، وهي لغة : الشعر الذي على رأس الولد حين ولادته ، وشرعا : ما يذبح عند حلق شعره لأن مذبحه يعق : أي يشق ويقطع ، ولأن الشعر يحلق إذ ذاك والأصل فيها الأخبار كخبر { الغلام مرتهن بعقيقته ، تذبح عنه يوم السابع ، ويحلق رأسه ويسمى } رواه الترمذي وقال حسن صحيح ، والمعنى فيه إظهار البشر والنعمة ونشر النسب ، وهي سنة مؤكدة ، وإنما تجب كالأضحية بجامع أن كلا منهما إراقة دم بغير جناية ، ولخبر أبي داود { ومن أحب أن ينسك عن ولده فليفعل } ومعنى مرتهن بعقيقته : قيل لا ينمو نمو مثله حتى يعق عنه .
قال الخطابي : وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل أنه إذا لم يعق عنه لم يشفع في والديه يوم القيامة .
وإحاطته بالسنة تدل على أنه لم يقله إلا عن توقيف ثبت فيه لا سيما وقد نقله الحليمي عن جمع متقدمين على أحمد ، والقول بوجوبها أو بأنها بدعة إفراط كما قاله الشافعي رضي الله عنه ، وذبحها أفضل من التصدق بقيمتها ، ولو نوى بالشاة المذبوحة [ ص: 146 ] الأضحية والعقيقة حصلا خلافا لمن زعم خلافه ( يسن ) سنة مؤكدة ( أن يعق عن ) الولد بعد تمام انفصاله لا قبله كما هو الظاهر من كلامهم ، والعاق هو من تلزمه نفقته بتقدير فقره من مال نفسه دون ولده بشرط كون العاق موسرا : أي يسار الفطرة فيما يظهر قبل مضي مدة أكثر النفاس ولا تفوت بالتأخير ، وإذا بلغ بلا عق سقط سن العق عن غيره ، وهو مخير فيه عن نفسه وعقه صلى الله عليه وسلم عن الحسن وأخيه لأنهما كانا في نفقته لإعسار والديهما أو كان بإذن أبيهما ، وولد الزنا في نفقة أمه فيندب لها العق عنه ولا يلزم من ذلك إظهاره المفضي لظهور العار ، والمتجه كما قاله البلقيني عدم ندب العق من الأصل الحر لولده القن لأنه لا يلزمه نفقته ، والأفضل أن يعق عن ( غلام ) أي ذكر ، والأوجه إلحاق الخنثى به في ذلك احتياطا كما جزم به الجوجري تبعا لتصريح صاحب البيان وبه أفتى الوالد رحمه الله تعالى ( بشاتين ) ويندب تساويهما ( و ) يسن أن يعق عن ( جارية ) أي أنثى ( بشاة ) لخبر عائشة : { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الغلام بشاتين متكافئتين وعن الجارية بشاة } رواه الترمذي وقال حسن صحيح ، ويجزي شاة أو شرك من إبل أو بقر عن الذكر { لأنه صلى الله عليه وسلم عق عن كل من الحسن والحسين رضي الله عنهما بشاة } وآثر الشاة تبركا بلفظ الوارد ، وإلا فالأفضل هنا نظير ما مر من سبع شياه ثم الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم شرك في بدنة ثم بقرة ، ولو ذبح بقرة أو بدنة عن سبعة أولاد جاز ، وكذا لو أشرك فيهما جماعة سواء أراد كلهم العقيقة أم بعضهم ذلك وبعضهم اللحم ( وسنها ) وجنسها ( وسلامتها ) من العيوب ( والأكل والتصدق ) والإهداء والادخار وقدر المأكول وامتناع نحو البيع وتعيينها بالنذر واعتبار النية فيها ( كالأضحية ) لشبهها بها في ندبها ولو كانت منذورة ، فالظاهر كما قاله الشيخ أنه يسلك بها مسلكها بدون نذر : أي فلا يجب التصدق بجميع لحمها نيئا ولكونها فداء عن النفس قد تفارقها في أحكام يسيرة منها ملك الغني [ ص: 147 ] لما يهدى إليه من ذلك فيتصرف فيه بما شاء لانتفاء كونها ضيافة عامة بخلاف الأضحية ( و ) منها أنه ( يسن طبخها ) لقول عائشة رضي الله عنها إنه السنة ، رواه البيهقي .
نعم الأفضل إعطاء القابلة رجلها نيئة ، ويتجه أن المراد بها إلى أصل الفخذ والأفضل أن تكون اليمين وإرسالها مع مرقها على وجه التصدق للفقراء أكمل من دعائهم إليها وأن يذبحها عند طلوع الشمس ويقول عند ذبحها : بسم الله والله أكبر ، اللهم منك وإليك ، اللهم إن هذه عقيقة فلان وطبخها بحلو تفاؤلا بحلاوة أخلاق الولد ويكره بالحامض ( ولا يكسر عظم ) ما أمكن تفاؤلا بسلامة أعضاء الولد ، فإن فعله لم يكره لعدم ثبوت نهي فيه لكنه خلاف الأولى ، والأقرب كما قاله الشيخ أنه لو عق عنه بسبع بدنة وتأتي قسمتها بغير كسر تعلق استحباب ترك الكسر بالجميع إذ ما من جزء إلا وللعقيقة فيه حصة ( وأن تذبح يوم سابع ولادته ) ويحسب يومها كما مر في الختان مع الفرق بينهما ، فإن ولد ليلا لم يحسب يوما بل يحسب من يوم تلك الليلة ، ويندب العق عمن مات بعد الأيام السبعة والتمكن من الذبح وكذا قبلها كما في المجموع ( و )


