( ولو ) ( قبلت ) لانتفاء التهمة لظهور عذره ( أو ) شهد ( فاسق ) ولو معلنا أو كافر أخفى كفره أو عدو أو غير ذي مروءة فرد ثم ( تاب ) ثم أعادها ( فلا ) تقبل شهادته لأن رده أظهر نحو فسقه الذي كان يخفيه أو زاد في تعييره بما أعلن به فهو متهم بسعيه في رد ذلك العار ، ومن ثم لو لم يصغ الحاكم لشهادته قبلت بعد التوبة . وبحث ( شهد كافر ) أعلن كفره ( أو عبد ) أي رقيق ( أو صبي ثم أعادها بعد كماله ) بالإسلام والحرية والبلوغ إسماعيل الحضرمي أنه لو قبل ، ولا بد من تقييده بمشهور بالديانة عرف منه اعتياد سبق لسان أو نسيان ( وتقبل شهادته غيرها ) أي غير تلك الشهادة التي رد فيها إذ لا تهمة ، ومثله كما اختاره في شرح مسلم تائب من الكذب في الرواية ( بشرط اختباره بعد التوبة مدة يظن بها صدق توبته ) لأن التوبة من أعمال القلوب وهو متهم بإظهارها لترويج شهادته وعود ولايته فاعتبر الشارع ذلك ليقوي ما ادعاه ( وقدرها الأكثرون بسنة ) لأن للفصول الأربعة تأثيرا بينا في تهييج النفوس لشهواتها ، فإذا مضت وهو على حاله أشعر ذلك بحسن سريرته وقد اعتبرها الشارع في نحو العنة ومدة التغريب في الزنى ، والأصح أنها تقريب لا تحديد ، وتعتبر أيضا في مرتكب خارم المروءة إذا أقلع عنه كما في التنبيه . شهد بما لا يطابق الدعوى ثم أعادها بمطابقها
وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وكذا من العداوة كما رجحه ابن الرفعة خلافا للبلقيني ، وقد لا يحتاج لها كشاهد بزنى حد لنقص النصاب فتقبل عقب ذلك ، وكمخفي فسق أقر به ليستوفى منه فتقبل حالا أيضا لأنه لم يظهر التوبة عما كان مستورا إلا عن صلاح ، وكناظر وقف بشرط الواقف تاب فتعود ولايته حالا كولي النكاح ، وكقاذف غير المحصن كما قاله الإمام واعتمده البلقيني ، لكن قيده غيره بما إذا لم يكن [ ص: 308 ] فيه إيذاء وإلا فلا بد من السنة ، لكن الأصح أنه لا بد فيه من الاستبراء .
( ويشترط في توبة معصية قولية القول ) قياسا على التوبة من الردة بكلمتي الشهادة ووجوبهما ، وإن كانت الردة فعلا كسجود لصنم لكون القولية هي الأصل أو لتضمن ذلك تكذيب الشرع . وقضية كلامه اشتراط القول في الغيبة ونحوها ، وبه صرح الغزالي فيها ، ونص الأم يقتضيه في الكل وهو ظاهر ، وإن كان ظاهر كلام الأكثرين اختصاصه بالقذف ، وبفرض صحته يفرق بينه وبين غيره بأن ضرره أشد لأنه يكسب عارا ولو لم يثبت فاحتيط بإظهار نقيض ما حصل منه وهو الاعتراف بالكذب جبرا لقلب المقذوف وصونا لما انتهكه من عرضه ، وما اشترطه جمع متقدمون من اشتراط الاستغفار في المعصية القولية أيضا محمول على الندم ، وخرج بالقولية الفعلية فلا يعتبر فيها القول لتمحض الحق فيها له تعالى فأدير الأمر في ذلك على الصدق باطنا ، بخلاف القذف لما تقرر فيه .
( فيقول القاذف ) وإن كان قذفه بصورة الشهادة لعدم تمام العدد ( قذفي باطل وأنا نادم عليه ولا أعود إليه ) أو ما كنت صادقا في قذفي وقد تبت منه أو نحو ذلك ، ولا يتعين عليه التعرض لكذبه لأنه قد يكون صادقا . لا يقال : حصل تعرضه له بقول قذفي باطل ولذا عبر أصله تبعا للأكثر القذف باطل . لأنا نقول : المحذور إلزامه بالتصريح بكذبه لا بالتعريض به ، وهذا فيه تعريض لا تصريح ، ألا ترى أنك تقول لمن قال لك شيئا هذا باطل ولا يحصل له به كبير مشقة ولو قلت له كذبت حصل له غاية الحنق ، وقد علم أن البطلان قد يحصل لاختلال بعض المقدمات فلا ينافي مطلق الصدق بخلاف الكذب ، وبهذا علم أن الاعتراض على عبارة الكتاب وأنها مساوية لعبارة أصله . واعلم أنه إن وصل ذلك لعلم القاضي بإقرار أو بينة اشترط أن يقول ذلك بحضرته وإلا فلا فيما يظهر ، نعم لا بد أن يقول ذلك بحضرة من ذكره بحضرته أولا وليس كالقذف فيما ذكر كما بحثه البلقيني ، ولو قال لغيره يا خنزير أو يا ملعون مثلا يشترط في التوبة منه قول لانتفاء توهم صدق قائله حتى يبطله بخلاف القذف .
( وكذا شهادة الزور ) يشترط في صحة التوبة منها قول نحو ما ذكر كشهادتي باطلة وأنا نادم عليها ولا أعود إليها ، ويكفي كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله ( قلت ) أخذا من الرافعي في الشرح ( و ) المعصية ( غير القولية ) لا يشترط فيها قول كما مر ، وإنما ( يشترط ) في صحة التوبة منها كالقولية أيضا ( إقلاع ) منها حالا إن كان متلبسا بها أو مصرا على معاودتها ( وندم ) من حيث المعصية لا لخوف عقوبة لو علم بحاله أو فوات مال أو نحو ذلك ، ودعوى أنه لا حاجة له لأن التوبة عبادة وهي من حيث هي شرطها الإخلاص رد بأن فيه تسليما للاحتياج له ( وعزم أن لا يعود ) إليها ما عاش إن تصور منه ، وإلا كمجبوب تعذر زناه لم يشترط فيه العزم على عدم العود له بالاتفاق ، ويشترط أيضا عدم وصوله لحالة الغرغرة [ ص: 309 ] وعدم طلوع الشمس من مغربها ، وتصح من سكران حالة سكره كإسلامه ، وممن كان في محل معصية .
ثم صرح بما يفهمه الإقلاع للاعتناء به فقال ( ورد ظلامة آدمي ) يعني الخروج منها بأي وجه قدر عليه مالا كانت أو عرضا نحو قود وحد قذف ( إن تعلقت به ) سواء أتمحضت له أم كان فيها مع ذلك حق لله تعالى مؤكد كفارة فورية وزكاة ( والله أعلم ) لقوله صلى الله عليه وسلم { } فإن أفلس وجب عليه الكسب كما مر فإن عجز عن المالك ووارثه دفعه لحاكم ثقة ، فإن تعذر صرفه فيما شاء من المصالح عند انقطاع خبره بنية القرض وغرم بدله إذا وجده ، فإن أعسر عزم على الأداء عند قدرته ، فإن مات قبله فلا مطالبة عليه في الآخرة إن لم يعص بالتزامه والمرجو من فضله تعالى أن يعوض المستحق ، وإذا بلغت الغيبة المغتاب اشترط استحلاله ، فإن تعذر لموته أو تعسر لغيبته الطويلة استغفر له ، ولا أثر لتحليل وارث ولا مع جهل المغتاب بما حلل منه ، أما إذا لم تبلغه فيكفي فيها الندم والاستغفار له ، وكذا يكفي الندم والإقلاع عن الحسد ، ومن لزمه حد وخفي أمره ندب له الستر على نفسه ، فإن ظهر أتى للإمام يقيمه عليه ، ولا يكون استيفاؤه مزيلا للمعصية بل لا بد معه من التوبة إذ هو مسقط لحق الآدمي . من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، فإن كان له عمل يؤخذ منه بقدر مظلمته وإلا أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه
وأما حق الله تعالى فيتوقف على التوبة كما علم مما مر أوائل كتاب الجراح . وتصح ومما تاب منه ثم عاد إليه ، ومن مات وله دين لم يستوفه وارثه كان المطالب به في الآخرة هو دون الوارث على الأصح . التوبة من ذنب وإن أصر على غيره