فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
قالت فقدمنا عائشة : المدينة ، فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول : كيف تيكم ؟ ثم ينصرف ، فذلك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت حين نقهت ، فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع ، وكان متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، قالت : وأمرنا أمر العرب الأول في البرية قبل الغائط ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، قالت : فانطلقت أنا وأم مسطح ، وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، وأمها بنت صخر بن عامر خالة وابنها أبي بكر الصديق ، فأقبلت أنا مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ، وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس فقلت لها : بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد مسطح ، بدرا ؟ ! فقالت : أي هنتاه ولم [ ص: 205 ] تسمعي ما قال : قالت : وقلت : ما قال ؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك ، قالت : فازددت مرضا على مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال : كيف تيكم ؟ فقلت له : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت : وأريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، قالت : فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي : يا أمتاه ، ماذا يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن عليها ، قالت : فقلت سبحان الله أولقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي ، قالت : ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه علي بن أبي طالب حين استلبث الوحي يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله ، قالت : فأما وأسامة بن زيد أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه ، فقال أسامة : أهلك ولا نعلم إلا خيرا ، وأما علي ، فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ، وسل الجارية تصدقك ، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ، فقال : أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك ؟ قالت له بريرة : والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا قط أغمصه غير أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها ، فتأتي الداجن فتأكله ، قالت : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي ، وهو على المنبر ، فقال: ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما يدخل على أهلي إلا معي ، قالت : فقام يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي ، والله أخو سعد بن معاذ بني عبد الأشهل ، فقال : أنا يا رسول الله أعذرك ، فإن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، قالت : فقام رجل من الخزرج - وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه - وهو وهو سيد سعد بن عبادة ، الخزرج - قالت : وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية ، فقال لسعد : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل ، فقام - وهو ابن عم أسيد بن حضير سعد - فقال كذبت لعمر الله لنقتلنه ; فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، قالت : فثار الحيان لسعد بن عبادة : الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ، قالت : فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت ، قالت : فبكيت يومي ذلك كله لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، قالت : وأصبح أبواي عندي ، وقد بكيت ليلتين ويوما لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي ، فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي ، فاستأذنت علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها ، فجلست تبكي معي قالت : فبينا نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه [ ص: 206 ] وسلم علينا ، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء ، قالت فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ، ثم قال : أما بعد يا إنه بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ; فإن العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه ، قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم عني فيما قال ، فقال أبي : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت لأمي : أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال : قالت أمي ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيرا : إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، فلئن قلت لكم : إني بريئة لا تصدقوني ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني ، فوالله لا أجد لي ولكم مثلا إلا عائشة أبا يوسف حين قال : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ثم تحولت واضطجعت على فراشي والله يعلم أني حينئذ بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها ، فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء ، حتى إنه ليتحدر منه من العرق مثل الجمان ، وهو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه ، قالت : فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يضحك ، فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال : يا أما الله فقد برأك ، قالت : فقالت لي أمي : قومي إليه ، فقلت : لا والله لا أقوم إليه ، فإني لا أحمد إلا الله عز وجل ، قالت : وأنزل الله تعالى : عائشة ، إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم العشر الآيات ، ثم أنزل الله تعالى هذا في براءتي قال - وكان ينفق على أبو بكر الصديق لقرابته منه وفقره : والله لا أنفق على مسطح ابن أثاثة شيئا أبدا بعد الذي قال مسطح ما قال ، فأنزل الله تعالى : لعائشة ولا يأتل أولو الفضل منكم إلى قوله : غفور رحيم قال بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى أبو بكر الصديق : النفقة التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا ، قالت مسطح وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عائشة : عن أمري ، فقال زينب بنت جحش ماذا علمت أو رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيرا ، قالت لزينب : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله بالورع ، قالت : وطفقت أختها عائشة : حمنة تحارب لها ، فهلكت فيمن هلك ، قال حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، وكلهم حدثني طائفة من حديثها ، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض ، وأثبت له اقتصاصا ، وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن فهذا الذي بلغني من [ ص: 207 ] حديث هؤلاء الرهط ، ثم قال ابن شهاب : قالت عروة : والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول : سبحان الله ، فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى قط ، قالت : ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله . عائشة :