الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3867 وعن أبي أسامة قال : قال لي هشام بن عروة : فأخبرني أبي قال : لما قتل الذين ببئر معونة وأسر عمرو بن أمية الضمري قال له عامر بن الطفيل : من هذا ؟ فأشار إلى قتيل ، فقال له عمرو بن أمية : هذا عامر بن فهيرة . فقال : لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء ، حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض ، ثم وضع فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرهم فنعاهم ، فقال : إن أصحابكم قد أصيبوا ، وإنهم قد سألوا ربهم فقالوا : ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك ورضيت عنا - فأخبرهم عنهم ! وأصيب يومئذ فيهم عروة بن أسماء بن الصلت فسمي عروة به ، ومنذر بن عمرو سمي به منذرا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  " وعن أبي أسامة " معطوف على قوله " حدثنا عبيد الله بن إسماعيل ، حدثنا أبو أسامة " ، وإنما فصله ليميز الموصول من المرسل ; لأنه ليس في قصة بئر معونة ذكر عائشة بخلاف قصة الهجرة فإن فيها ذكر عائشة كما مضى الآن قبل هذا .

                                                                                                                                                                                  قوله " لما قتل الذين ببئر معونة " ، وهم القراء الذين سبق ذكرهم .

                                                                                                                                                                                  قوله " وأسر عمرو بن أمية " ، بين ذلك عروة في المغازي من رواية الأسود عنه ، بعث النبي - عليه الصلاة والسلام - المنذر بن عمرو الساعدي إلى بئر معونة وبعث معه المطلب السلمي ليدلهم على الطريق ، فقتل المنذر بن عمرو وأصحابه إلا عمرو بن أمية فإنهم أسروه واستحيوه ، وفي رواية ابن إسحاق في المغازي أن عامر بن الطفيل اجتز ناصيته وأعتقه عن رقبة كانت على أمه ، وعند العسكري : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - المنذر بن عمرو أميرا على أربعين من الأنصار ليس فيهم غيرهم إلا عمرو بن أمية ، وذلك أن أبا براء بعث ابن أخيه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في علة وجدها فدعا له بالشفاء وبارك فيما أنفذه إليه فبرئ ، فبعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ابعث إلى أهل نجد من شئت فإني جار لهم . وفي المغازي لأبي معشر : كان أبو براء كتب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ابعث إلي رجالا يعلمون القرآن وهم في ذمتي وجواري ! فبعث إليه المنذر بن عمرو في أربعة عشر رجلا من المهاجرين والأنصار ، فلما ساروا إليهم بلغهم أن أبا براء مات ، فبعث المنذر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستمد ، فأمده بأربعين نفرا أميرهم عمرو بن أمية ، وقال : إذا اجتمع القوم كان عليهم المنذر - فلما وصلوا بئر معونة كتبوا إلى ربيعة بن أبي البراء نحن في ذمتك وذمة أبيك فنقدم عليك أم لا ؟ قال : أنتم في ذمتي ، فاقدموا ! وفي آخره : قدم عليه - صلى الله عليه وسلم - خبر بئر معونة وأصحاب الرجيع ، وبعث محمد بن مسلمة في ليلة واحدة . وقال ابن سعد : كانت سرية المنذر بن عمرو الساعدي المعتق للموت إلى بئر معونة في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة ، قالوا : قدم عامر بن مالك بن جعفر أبو براء ملاعب الأسنة الكلابي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهدى له فلم يقبل منه ، وعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد ، وقال : لو بعثت معي نفرا من أصحابك إلى قومي لرجوت أن يجيبوا دعوتك ! فقال : إني أخاف عليهم أهل نجد ! قال : أنا لهم جار ! فبعث معه سبعين من الأنصار شببة يسمون القراء ، وأمر عليهم المنذر ، فلما نزلوا بئر معونة قدموا حرام بن ملحان بكتاب سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عامر [ ص: 175 ] ابن الطفيل فقتل حراما ، واستصرخ عليهم بنو عامر فأبوا وقالوا : لا نخفر أبا براء ! فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم عصية ورعل وذكوان ورعب والقارة ولحيان فنفروا معه ، فقتل الصحابة كلهم رضي الله تعالى عنهم إلا عمرو بن أمية ، فأخبره جبريل - صلى الله عليه وسلم - بخبرهم وخبر مصاب خبيب ومرثد تلك الليلة . قلت : المنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج الأنصاري الساعدي ، وهو المعروف بالمعتق للموت ، شهد العقبة وبدرا وأحدا ، وكان أحد السبعين الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة وأحد النقباء الاثني عشر ، وكان يكتب في الجاهلية بالعربية ، وقال أبو عمر : وكان على الميسرة يوم أحد ، وقتل بعد أحد بأربعة أشهر ونحوها وذلك سنة أربع في أولها يوم بئر معونة شهيدا .

                                                                                                                                                                                  قوله " قال له عامر بن الطفيل " ; أي قال لعمرو بن أمية عامر بن الطفيل " من هذا ؟ " كأنه أشار إلى قتيل ، وقال الواقدي بإسناده عن عروة : إن عامر بن الطفيل قال لعمرو بن أمية هل تعرف أصحابك ؟ قال : نعم - فطاف في القتلى ، فجعل يسأله عن أنسابهم .

                                                                                                                                                                                  قوله " فقال : لقد رأيته " ; أي فقال عامر بن الطفيل لقد رأيت عامر بن فهيرة بعدما قتل ، إلى قوله : ثم وضع . والفائدة من الرفع والوضع تعظيم عامر بن فهيرة وبيان قدره وتخويف الكفار وترهيبهم ، قال أبو عمر : ويروى عن عامر بن الطفيل أنه قال : رأيت أول طعنة طعنت عامر بن فهيرة نورا خرج منها ! وذكر ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال : لما قدم عامر بن الطفيل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : من الرجل الذي لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء دونه ثم وضع ؟ فقال له : عامر بن فهيرة . وذكر ابن المبارك وعبد الرزاق جميعا عن معمر عن الزهري عن عروة قال : طلب عامر بن فهيرة يومئذ في القتلى فلم يوجد ، قال عروة : فيرون أن الملائكة دفنته أو رفعته .

                                                                                                                                                                                  قوله " فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرهم " ، وبين في حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن الله أخبره بذلك على لسان جبريل عليه السلام .

                                                                                                                                                                                  قوله " فنعاهم " ، من نعى الميت ينعاه نعيا ونعيا إذا أذاع موته وأخبر به وإذا أندبه .

                                                                                                                                                                                  قوله " وأصيب يومئذ فيهم عروة بن أسماء " على وزن حمراء - ابن الصلت بن حبيب بن حارثة السلمي حليف بني عمرو بن عوف ، وذكره الواقدي في أصحاب بئر معونة وقال : حدثني مصعب بن ثابت ، عن أبي الأسود ، عن عروة قال : حرص المشركون يوم بئر معونة لعروة بن الصلت أن يؤمنوه فأبى ، وكان داخلة لعامر بن الطفيل ، مع أن قومه بني سليم حرصوا على ذلك فأبى ، وقال : لا أقبل لهم أمانا ولا أرغب بنفسي عن مصرعهم ! ثم تقدم فقاتل حتى قتل شهيدا .

                                                                                                                                                                                  قوله " فسمي عروة به " ; أي فسمي عروة بن الزبير بن العوام باسم عروة بن أسماء المذكور ، يعني أن الزبير بن العوام لما ولد له عروة سماه باسم عروة بن أسماء ، وكان بين قتل عروة بن أسماء ومولد عروة بن الزبير بضع عشرة سنة .

                                                                                                                                                                                  قوله " ومنذر بن عمرو " ; أي وأصيب أيضا فيهم منذر بن عمرو بن خنيس الذي ذكرناه عن قريب .

                                                                                                                                                                                  قوله " سمي به " ; أي بالمنذر بن عمرو المذكور منذر بن الزبير بن العوام أخو عروة .

                                                                                                                                                                                  قوله " منذرا " ، كذا هو بالنصب في النسخ ، والصواب منذر بالرفع على ما لا يخفى ، وقال بعضهم : يحتمل أن تكون الرواية بفتح السين على البناء للفاعل ، والفاعل محذوف ، والمراد به الزبير - قلت : لا يعمل بهذا الاحتمال في إثبات الرواية ، وفيه أيضا إضمار قبل الذكر فافهم ، وحاصله أن الزبير سمى ابنه هذا منذرا باسم المنذر بن عمرو هذا ، ووجه التسمية فيهما بعروة ومنذر للتفاؤل باسم من رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه .

                                                                                                                                                                                  واعلم أن أسماء من الأعلام المشتركة ; فهي اسم أم عروة بن الزبير واسم أبي عروة السلمي المذكور .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية