الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6241 [ ص: 169 ] 12 - باب: لا مانع لما أعطى الله

                                                                                                                                                                                                                              6615 - حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح، حدثنا عبدة بن أبي لبابة، عن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال: كتب معاوية إلى المغيرة اكتب إلي ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول خلف الصلاة. فأملى علي المغيرة قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول خلف الصلاة: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد". وقال ابن جريج : أخبرني عبدة ، أن ورادا أخبره بهذا. ثم وفدت بعد إلى معاوية فسمعته يأمر الناس بذلك القول. [انظر: 844 - مسلم: 593 - فتح: 11 \ 512].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث وراد مولى المغيرة بن شعبة قال: كتب معاوية إلى المغيرة اكتب إلي ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول خلف الصلاة. فأملى علي المغيرة قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول خلف الصلاة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " . وقال ابن جريج : أخبرني عبدة ، أن ورادا أخبره بهذا. ثم وفدت بعد إلى معاوية فسمعته يأمر الناس بذلك.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث سلف قريبا في الدعاء.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: السؤال عن أفعاله - عليه السلام - في الصلاة; ليقتدى به.

                                                                                                                                                                                                                              والجد بفتح الجيم: وهو الحظ والبخت.

                                                                                                                                                                                                                              والمعنى: أن لا ينفع ذا الغنى منك غناه، وإنما ينفعه العمل بطاعتك لا مال ولا بنون، قال تعالى: المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات [ ص: 170 ] الصالحات خير [الكهف: 46] وعلى فتح الجيم أكثر الرواة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو عمرو الشيباني : هو بالكسر فيهما، وهو من جد الاجتهاد، فمعناه: لا ينفع ذا الاجتهاد من الله اجتهاده في القرب منه، ولا في الطلب لما لم يقسم له.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: "ذا الجد": المجتهد في طلب الدنيا، فإن ذلك لا ينفعه إن ضيع أمر الآخرة، وبعضهم ذهب في الفتح إلى جد الرزق، أي: أن الغنى والرزق لا ينفع من الله شيئا، وهذا خبط.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى "منك" بذلك. قاله الخطابي .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الجوهري : "منك" هنا بمعنى: عندك، أي: لا ينفع ذا الجد عندك الجد، ويصح أن يحمل على أن المعنى: لا ينفع الجد منك جده، إن أردته بسوء. وقيل: في معنى الكسر ليس ينفع الساعي سعيه، ولا الطالب مطلبه، لا بد أن ينال كل واحد ما قدر له.

                                                                                                                                                                                                                              قال الطبري في الكسر: إنه خلاف ما يعرفه أهل النقل والرواة لهذا الخبر، ولا نعلم أحدا قال ذلك غيره، مع بعد تأويله من الصحة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              مراد البخاري هنا بهذا الحديث: إثبات خلق الله جميع أفعال العباد ; لأن قوله: "لا مانع لما أعطيت" يقتضي نفي جميع المانعين سواه، وكذلك قوله: "ولا معطي لما منعت" يقتضي نفي جميع المعطين سواه، وأنه لا معطي ولا مانع على الحقيقة بفعل المنع والعطاء سواه، وإذا كان ذلك كذلك ثبت أن من أعطى أو منع من [ ص: 171 ] المخلوقين، فإعطاؤه ومنعه خلق لله تعالى، وكسب للعبد، والله تعالى هو المعطي وهو المانع لذلك حقيقة من حيث كان مخترعا خالقا للإعطاء والمنع، والعبد مكتسب لهما بقدرة محدثة، فبان أنه إنما بقي مانعا ومعطيا، ومخترعا للمنع والإعطاء ويخلقهما.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية