الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6319 [ ص: 380 ] 29 - باب: إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنسانا في الجاهلية ثم أسلم

                                                                                                                                                                                                                              6697 - حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن، أخبرنا عبد الله، أخبرنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن عمر قال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. قال: " أوف بنذرك". [انظر: 2032 - مسلم: 1656 - فتح: 11 \ 582]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن عمر قال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. قال: "أوف بنذرك" وقد سلف قبل.

                                                                                                                                                                                                                              معنى قوله: (في الجاهلية) في زمننا وأنا مسلم ، وهو خلاف ما فهمه البخاري وبوب عليه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشيخ أبو الحسن القاضي : لم يأمره الشارع على جهة الإيجاب، إنما هو على جهة الرأي، وقيل: أراد - عليه السلام - أن يعلمهم أن الوفاء بالنذر من آكد الأمور ، فغلظ أمره بأن جعله لازما لعمر، وإن كان أصل التزامه من الجاهلية; لأنهم كانوا حديثي عهد بكفر; ليتأكد عندهم إيجابه، وقد اختلف العلماء في إيجاب الوفاء عليه إذا أسلم، والأصح عندنا استحبابه.

                                                                                                                                                                                                                              وأما ابن بطال فنقل عن الشافعي وأبي ثور إيجابه، وإن حنث بعد إسلامه فعليه الكفارة وهو قول الطبري ، قالوا: والأمر فيه على الوجوب، وهو قول المغيرة المخزومي ، إليه ذهب البخاري ، وقاس اليمين على النذر، إن كان النذر مما الوفاء به طاعة في الإسلام لزمه [ ص: 381 ] الوفاء، وإن كان النذر واليمين بما (لا) ينبغي الوفاء به كيمين لا يكلم إنسانا فعليه الكفارة في الإسلام.

                                                                                                                                                                                                                              قال: وكذا يقول الشافعي وأبو ثور فيمن نذر معصية أن عليه كفارة يمين.

                                                                                                                                                                                                                              قال: وقال آخرون: لا يجب عليه شيء من ذلك، وكل من حلف في كفره فحنث بعد إسلامه فلا شيء عليه في كل الأيمان، هذا قول مالك والثوري والكوفيين .

                                                                                                                                                                                                                              قال الطحاوي : والحجة في ذلك قوله - عليه السلام -: "ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" وقالوا: لما كانت النذور إنما تجب إذا كانت بما يتقرب بها إلى الله تعالى، ولا تجب إذا كانت معاصي، وكان الكافر إذا قال: لله علي اعتكاف أو صيام، ثم فعل ذلك لم يكن بذلك متقربا إلى الله، فأشبه بذلك قوله - عليه السلام -: "لا نذر في معصية" لأن ما لم يصح أن يكون طاعة لا يلزم الوفاء به، وقد يجوز أن يكون قوله لعمر : "أوف بنذرك" ليس على طريق الوجوب، ولكن لما كان عمر قد سمح في حال نذره أن يفعله استحب له - عليه السلام - أن يفي به; لأن فعله الآن طاعة لله، وكان ما أمره به خلاف ما أوجبه هو على نفسه; لأن الإسلام يهدم أمر الجاهلية، وقد سلف في الاعتكاف شيء من معنى هذا الباب في باب الاعتكاف ليلا، وهو قول الشافعي : إن الصوم ليس شرطا في صحة الاعتكاف.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 382 ] قال ابن التين : والجماعة على خلافه، وإنما أراد أن النذر يوفى به (فخرج) على جهة التغليظ والتأكيد للوفاء بالنذر.

                                                                                                                                                                                                                              وقد اختلف فيمن نذر اعتكاف ليلة ، فقال ابن القاسم : يلزمه يوم وليلة، وقال سحنون : لا يلزمه شيء، قال: واتفقا على أنه إذا نذر اعتكاف يوم أنه يلزمه يوم وليلة، قلت: (لا) والأصح عندنا أنه لا يلزمه الليلة.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية