الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6377 6758 - حدثنا محمد، أخبرنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: اشتريت بريرة فاشترط أهلها ولاءها، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أعتقيها فإن الولاء لمن أعطى الورق". قالت: فأعتقتها. قالت: فدعاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخيرها من زوجها فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما بت عنده. فاختارت نفسها. [انظر: 456 - مسلم: 1504 - فتح: 12 \ 45].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق قصة بريرة من طريقين عن عائشة - رضي الله عنها - وفي آخر أحدهما: وكان زوجها حرا.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              أثر الحسن رواه أبو بكر عن وكيع ، ثنا سفيان ، عن مطرف ، عن الشعبي ، وعن يونس عنه، وفي رواية عبد الأعلى ، عن يونس عنه: لا يرثه إلا إن شاء أوصى بماله.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 559 ] وحديث تميم أخرجه الترمذي في "جامعه" عن أبي كريب ، عن أبي أسامة وابن نمير ، ووكيع عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، عن عبد الله بن موهب -وقال بعضهم: ابن وهب - عن تميم بن أوس الداري ، قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما السنة في الرجل يسلم على يد الرجل .. الحديث، قال: وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن (موهب) وبين تميم قبيصة بن ذؤيب ، رواه يحيى بن حمزة كذلك، وهو عندي ليس بمتصل.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: حديث يحيى أخرجه أبو داود ، عن يزيد بن خالد بن موهب وهشام بن عمار ، عن يحيى بن حمزة، عن عبد العزيز بن عمر قال: سمعت عبد الله بن موهب يحدث عن عمر بن عبد العزيز ، عن قبيصة بن ذؤيب ، عن تميم .

                                                                                                                                                                                                                              وفي كتاب ابن أبي شيبة و"مسند أحمد ": حدثنا وكيع ، حدثنا عبد العزيز بن عمر ، عن عبد الله بن موهب ، قال: سمعت تميما .. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              ورواه ابن بنت منيع عن جماعة، عن عبد العزيز بلفظ: سمعت تميما، فيجوز أن يكون رواه أولا عن قبيصة ، عن تميم ، ثم سمعه من تميم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 560 ] وقول البخاري : (واختلفوا في صحة هذا الخبر) هو كما قال، فقد أسلفنا عن الترمذي انقطاعه، وقال الخطابي : ضعفه أحمد ، وقال: راويه عبد العزيز ليس من أهل الحفظ والإتقان. قلت: المعتبر كونه ثقة، وهو موجود، قال محمد بن عمار المشبه في الحفظ بالإمام أحمد : ثقة، ليس بين الناس فيه اختلاف، وقال يحيى بن معين في رواية يحيى الغلابي : ثبت، وقال أبو داود تلميذ الإمام أحمد : ثقة، وروى له الجماعة، قال أبو زرعة البصري الدمشقي الحافظ في "تاريخ دمشق ": حدثني صفوان بن صالح ، سمع الوليد بن مسلم يذكر أن الأوزاعي كان يدفع هذا الحديث، ولا يرى له وجها، ويحتج بأنه لم يكن للمسلمين يومئذ (ديوان) ولا خراج، قال أبو زرعة : وليس كذلك، بل هو حديث حسن المخرج والاتصال، لم أر أحدا من أهل العلم يدفعه.

                                                                                                                                                                                                                              وأما الدارقطني فقال: إنه حديث غريب من حديث أبي إسحاق السبيعي عن ابن موهب تفرد به عنه ابنه يونس ، وتفرد به أبو بكر الحنفي عنه، فأفادنا متابعا لعبد العزيز وهو أبو إسحاق ، والغرابة لا تدل على الضعف، فقد تكون في الصحيح، والإسناد الذي ذكره صحيح على شرط الشيخين، وفيه رد لقول ابن المنذر ، ورفع الحديث أحمد وتكلم فيه غيره، ولم يروه غير عمر بن عبد العزيز ، وهو شيخ ليس من أهل الحفظ، وقال: قد اضطربت روايته له، فروى عنه وكيع وأبو نعيم عن عبد الله بن موهب، قال: سمعت تميما .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه شريك ، [ ص: 561 ] عن حفص بن غياث عنه، عن ابن وهب، عن قبيصة ، عن تميم ، ولا ندري أسمع قبيصة من تميم أم لا، فلما اضطرب حسبنا أن لا يكون محفوظا، وكان ظاهر قوله: "الولاء لمن أعتق" أولى بنا، ودل على أن الولاء لا يكون لغير المعتق ، وقد أخرجه أحمد في "مسنده" وشرطه فيه معلوم، كما أوضحه أبو موسى المديني في "خصائصه".

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              اختلف العلماء فيمن أسلم على يدي رجل من المسلمين، فقال الشعبي كقول الحسن : لا ميراث للذي أسلم على يديه ولا ولاء له، وميراث المسلم إذا لم يدع وارثا لجماعة المسلمين، وقول ابن أبي ليلى ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد ، وحجتهم حديث الباب: "الولاء لمن أعتق" فنفى الميراث عن غير المعتق، كما نفى عنه الولاء، وذكر ابن وهب ، عن عمر بن الخطاب قال: لا ولاء للذي أسلم على يديه، وهو قول ربيعة وإسحاق ، وحكاه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن عمر أنه قضى بذلك، وهو قول النخعي وعمر بن عبد العزيز وابن مسعود وزياد بن أبي سفيان وغيرهم، وفيها قول آخر روي عن النخعي : أنه إذا أسلم على يد الرجل ووالاه، فإنه يرثه ويعقل عنه، وله أن يتحول عنه إلى غيره، وهذا قول أبي حنيفة وصاحبيه، وحكي عن أبي أيوب والنخعي أيضا، فإن أسلم على يديه [ ص: 562 ] ولم يعاقده ولم يواله فلا شيء له، قال الطحاوي في "مشكله": وهو قول أكثر العلماء. وأجازه عمر بن الخطاب، وروي ذلك عن الزهري ، واحتجوا بحديث تميم الداري . وقد عرفت ما فيه، وابن بطال ساقه عن مسدد ، عن عبد الله بن داود ، عن عبد العزيز ، عن عبد الله بن موهب ، عن تميم به، وقد عرفت حاله.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن القصار : ثم لو صح لكان تأويله: أحق به، يواليه وينصره ويوارثه إذا مات، وليس فيه أنه أحق بميراثه.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية