[ ص: 55 ] 2 - باب الرجل يطلق امرأته ثلاثا معا
4473 - حدثنا روح بن الفرج ، قال ثنا ، قال : ثنا أحمد بن صالح ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ابن جريج ، قال : أخبرني ، عن ابن طاوس ، أن أبيه أبا الصهباء قال : لابن عباس ، وثلاثا من إمارة وأبي بكر عمر ؟ قال : نعم ابن عباس أتعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : فذهب قوم إلى أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا معا ، فقد وقعت عليها واحدة إذا كانت في وقت سنة ، وذلك أن تكون طاهرا في غير جماع . أبو جعفر
واحتجوا في ذلك بهذا الحديث ، وقالوا : لما كان الله عز وجل إنما أمر عباده أن يطلقوا لوقت على صفة ، فطلقوا على غير ما أمرهم به ، لم يقع طلاقهم .
وقالوا : ألا ترون أن رجلا لو أمر رجلا أن يطلق امرأته في وقت على صفة ، فطلقها في غيره ، أو أمره أن يطلقها على شريطة ، فطلقها على غير تلك الشريطة ، أن ذلك لا يقع ؛ إذ كان قد خالف ما أمر به .
قالوا : فكذلك الطلاق ، الذي أمر به العباد ، فإذا أوقعوه كما أمروا به وقع ، وإذا أوقعوه على خلاف ذلك لم يقع .
وخالفهم في ذلك أكثر أهل العلم ، فقالوا : الذي أمر به العباد من إيقاع الطلاق ، فهو كما ذكرتم ، إذا كانت المرأة طاهرا من غير جماع ، أو كانت حاملا ، وأمروا بتفريق الثلاث إذا أرادوا إيقاعهن ، ولا يوقعونهن معا .
فإذا خالفوا ذلك ، فطلقوا في الوقت الذي لا ينبغي لهم أن يطلقوا فيه ، وأوقعوا من الطلاق أكثر مما أمروا بإيقاعه ، لزمهم ما أوقعوا من ذلك ، وهم آثمون في تعديهم ما أمرهم الله عز وجل .
وليس ذلك كالوكالات ؛ لأن الوكلاء إنما يفعلون ذلك للموكلين ، فيحلون في أفعالهم تلك محلهم ، فإن فعلوا ذلك كما أمروا لزم ، وإن فعلوا ذلك على غير ما أمروا به لم يلزم .
والعباد في طلاقهم إنما يفعلونه لأنفسهم لا لغيرهم ، لا لربهم عز وجل ، ولا يحلون في فعلهم ذلك محل غيرهم ، فيراد منهم في ذلك إصابة ما أمرهم به الذين يحلون في فعلهم ذلك محله .
فلما كان ذلك كذلك ، لزمهم ما فعلوا ، وإن كان ذلك مما قد نهوا عنه ؛ لأنا قد رأينا أشياء مما قد نهى الله تعالى العباد عن فعلها ، أوجب عليهم إذا فعلوها أحكاما .
من ذلك أنه نهاهم عن الظهار ، ووصفه بأنه منكر من القول وزور ، ولم يمنع ما كان كذلك أن تحرم به المرأة على زوجها ، حتى يفعل ما أمره الله تعالى به من الكفارة .
[ ص: 56 ] فلما رأينا الظهار قولا منكرا وزورا ، وقد لزمت به حرمة ، كان كذلك الطلاق المنهي عنه ، هو منكر من القول وزور ، والحرمة به واجبة .
وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله رضي الله عنه ، عن طلاق عمر بن الخطاب عبد الله امرأته وهي حائض ، أمره بمراجعتها ، وتواترت عنه بذلك الآثار ، وقد ذكرتها في الباب الأول ولا يجوز أن يؤمر بالمراجعة من لم يقع طلاقه .
فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ألزمه الطلاق في الحيض ، وهو وقت لا يحل إيقاع الطلاق فيه ، كان كذلك من طلق امرأته ثلاثا ، فأوقع كلا في وقت الطلاق لزمه من ذلك ما ألزم نفسه ، وإن كان قد فعله على خلاف ما أمر به .
فهذا هو النظر في هذا الباب .
وفي حديث رضي الله عنهما ، ما لو اكتفينا به كان حجة قاطعة ، وذلك أنه قال : ( فلما كان زمان ابن عباس عمر رضي الله عنه ، قال : أيها الناس ، قد كانت لكم في الطلاق أناة ، وإنه من تعجل أناة الله في الطلاق ألزمناه إياه ) .