فتواثبت خزاعة وبنو كعب وغيرهم معهم ، فقالوا : نحن في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده .
[ ص: 316 ] وتواثبت بنو بكر ، فقالوا : نحن في عقد قريش وعهدهم .
وقامت قريش على الوفاء بذلك سنة وبعض سنة ، ثم إن بني بكر عدوا على خزاعة ، على ما لهم بأسفل مكة .
فقال له الزبير : بيتوهم فيه ، فأصابوا منهم رجلا ، وتجاوز القوم فاقتتلوا ، ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قاتل من قريش بالنبل مستخفيا ، حتى جاوزوا خزاعة إلى الحرم ، وقائد بني بكر يومئذ نوفل بن معاوية ، فلما انتهوا إلى الحرم قالت بنو بكر : يا نوفل إلهك إلهك ، إنا قد دخلنا الحرم .
فقال كلمة عظيمة : لا إله له اليوم يا بني بكر ، أصيبوا ثأركم ، قد كانت خزاعة أصابت قبل الإسلام نفرا ثلاثة ، وهم متحرفون ، دويبا ، وكلثوما ، وسليمان بن الأسود بن زريق بن يعمر ، فلعمري يا بني بكر ، إنكم تسرقون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟ قال : وقد كانوا أصابوا منهم رجلا ليلة بيتوهم بالوتير ، ومعه رجل من قومه ، يقال له : منبه رجلا مفردا فخرج هو وتميم .
فقال منبه : يا تميم ، انج بنفسك ، فأما أنا ، فوالله ، إني لميت ، قتلوني أو لم يقتلوني .
فانطلق تميم فأدرك منبه فقتلوه وأفلت تميم ، فلما دخل مكة ، لحق إلى دار بديل بن ورقاء ، ودار رافع مولى لهم .
وخرج عمرو بن سالم ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ، فقال عمرو :
لا هــــم إنــــي ناشــــد محـــمدا حــــلف أبينــــا وأبيـــه الأتلـــدا والـــــدا كنــــا وكــــنت ولــــدا
ثمـــة أســـلمنا فلـــم نــنزع يــدا فــانصر رســول اللــه نصـرا أعتـدا
وادع عبــــاد اللـــه يـــأتوا مـــددا فيهـــم رســول اللــه قــد تجــردا
إن ســـيم خســـفا وجهــه تربــدا فــي فيلــق كــالبحر يــأتي مزبــدا
إن قريشــــا أخــــلفوك الموعــــدا ونقضـــــوا ميثـــــاقك المؤكــــدا
وجـــعلوا لـــي فـــي كــداء رصــدا وزعمـــوا أن لســـت أدعــو أحــدا
وهــــــم أذل وأقــــــل عــــــددا هــــم بيتونـــا بـــالوتير هجـــدا
فقتلونــــــا ركعـــــا وســـــجدا
ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، فأخبروه بما أصيب منهم وقد رجعوا .
[ ص: 317 ] وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنكم بأبي سفيان قد قدم ليزيد في العهد ، ويزيد في المدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صالح .
ثم ذكر نحوا مما في حديث أيوب عن في طلب عكرمة أبي سفيان الجواب من أبي بكر ، ومن عمر ، ومن علي ، ومن فاطمة رضوان الله عليهم أجمعين ، وجواب كل واحد منهم له بما أجابه في ذلك ، على ما في حديث أيوب ، عن ، ولم يذكر خبر عكرمة أبي سفيان مع العباس رضي الله عنه ، ولا أمان العباس إياه ولا إسلامه ، ولا بقية الحديث .
قال في هذين الحديثين أن الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبو جعفر أهل مكة ، دخلت خزاعة في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم للحلف الذي كان بينهم وبينه ، ودخلت بنو بكر في صلح قريش ، للحلف الذي كان بينهم وبينه .
فصار حكم حلفاء كل فريق من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قريش في الصلح ، كحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم قريش .
وكان بين حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حلفاء قريش من القتال ما كان ، فكان ذلك نقضا من حلفاء قريش للصلح الذي كانوا دخلوا فيه ، وخروجا منهم بذلك منه .
فصاروا بذلك حربا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
ثم أمدت قريش حلفاءها هؤلاء بما قووهم به على قتال خزاعة ، حتى قتل منهم من قتل وقد كان الصلح منعهم من ذلك .
فكان فيما فعلوا من ذلك نقضا للعهد ، وخروجا من الصلح ، فصارت قريش بذلك حربا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه .
فقال الآخرون : وكيف يكون بما ذكرتم كما وصفتم ، وقد رويتم أن أبا سفيان وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بعد أن كان بين بني بكر وبين خزاعة من القتال ما كان ، وبعد أن كان من قريش لبني بكر من المعونة لهم ما كان علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموضعه ، فلم يصله ولم يعرض له .
فدل ذلك على أنه كان عنده في أمانه على حاله ، غير خارج منه مما كان من بني بكر في قتال خزاعة ، وما كان من قريش في معونة بني بكر بما أعانوهم به من الطعام والسلاح والتظليل ، غير ناقض لأمانه بصلحه الذي كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير مخرج له منه .
فكان من الحجة عليهم للآخرين أن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم التعرض لأبي سفيان ، لم يكن لأن الصلح الذي كان بين رسول الله وبين أهل مكة قائم ، ولكنه تركه ؛ لأنه كان وافدا إليه من أهل مكة ، طالبا الصلح الثاني ، سوى الصلح الأول ، لانتقاض الصلح الأول ، فلم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل ولا غيره ؛ لأن من سنة الرسل أن لا يقتلوا .