فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما لولا أن الرسل لا تقتل ، لضربت أعناقكما كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رسول .
والدليل على خروج أهل مكة من الصلح بما كان بين بني بكر وبين خزاعة ، وبما كان من معونة قريش لبني بكر في ذلك ، طلب أبي سفيان تجديد الحلف ، وتوكيد الصلح عند سؤال أهل مكة إياه ذلك .
ولو كان الصلح لم ينتقض ، إذا لما كان بهم إلى ذلك حاجة ، ولكان أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلي ، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما سألهم أبو سفيان ما سألهم من ذلك يقولون : ما حاجتك وحاجة أهل مكة إلى ذلك ؟ إنهم جميعا في صلح وفي أمان ، لا تحتاجون معهما إلى غيرهما .
ثم هذا عمرو بن سالم ، واحد خزاعة ، يناشد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قد ذكرنا من مناشدته إياه ، في حديث ، عكرمة ، وسأله في ذلك النصر ويقول فيما يناشده من ذلك : والزهري
إن قريشــــا أخــــلفوك الموعــــدا ونقضـــــوا ميثـــــاقك المؤكــــدا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكر ذلك عليه .[ ص: 319 ] ثم كشف له عمرو بن سالم المعنى الذي به كان نقض قريش ، ما كانوا عاهدوه عليه ، ووافقوه بأن قال :
وهــــم أتونــــا بـــالوتير هجـــدا فقتلونــــــا ركعـــــا وســـــجدا
ثم أنشد في الشعر الذي ذكرناه عنه ، في حديث حسان بن ثابت المعنى الذي ذكره عكرمة عمرو بن سالم في الشعر الذي ناشد به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ففي ذلك دليل أن رجال بني كعب أصابهم من نقض قريش الذي به خرجوا من عهدهم ببطن مكة ، ألا تراه يقول :
أتــاني ولــم أشــهد ببطحــاء مكـة رجـــال بنــي كــعب تحــز رقابهــا
فيــا ليــت شـعري هـل لنـا لزمـرة ســهيل بـن عمـرو حولهـا وعتابهـا
فأما ما ذكر لك : رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتحها ، لم يقسم مالا ، ولم يستعبد أحدا ، ولم يغنم أرضا ، فكيف يستعبد من قد من عليه في دمه وماله .
فأما أرض مكة ، فإن الناس قد اختلفوا في ترك النبي صلى الله عليه وسلم التعرض لها .
فمن يذهب إلى أنه افتتحها عنوة ، فقال : تركها منة عليهم ، كمنته عليهم في دمائهم ، وفي سائر أموالهم .
وممن ذهب إلى ذلك ؛ لأنه كان يذهب إلى أن أرض أبو يوسف مكة ، تجري عليها الأملاك كما تجري على سائر الأرضين .
وقال بعضهم : لم تكن أرض مكة مما وقعت عليه الغنائم ؛ لأن أرض مكة عندهم لا تجري عليها الأملاك .
وممن ذهب إلى ذلك ، أبو حنيفة ، رحمهما الله . وسفيان الثوري
وقد ذكرنا في هذا الباب الآثار التي رواها كل فريق ممن ذهب إلى ما ذهب إليه ، أبو حنيفة رحمهما الله في كتاب البيوع ، من شرح معاني الآثار المختلفة المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحكام ، فأغنانا ذلك عن إعادته هاهنا . وأبو يوسف
ثم رجع الكلام إلى ما يثبت أن مكة فتحت عنوة .
فإن قلتم : إن حديثي الزهري وعكرمة اللذين ذكرنا ، منقطعان .
قيل لكم : وقد روي عن رضي الله عنهما حديث يدل على ما رويناه . ابن عباس