الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3337 [ 1301 ] وعن أنس: أن قريشا صالحوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فيهم سهيل بن عمرو، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي: " اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم". قال سهيل: أما بسم الله الرحمن الرحيم ، فما ندري بسم الله الرحمن الرحيم، ولكن اكتب ما نعرف: باسمك اللهم. فقال: "اكتب: من محمد رسول الله". قالوا: لو علمنا أنك رسوله لاتبعناك، ولكن اكتب: اسمك واسم أبيك. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: اكتب من محمد بن عبد الله. فاشترطوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من جاء منكم لم نرده عليكم، ومن جاء منا رددتموه علينا. فقالوا: يا رسول الله، أتكتب هذا؟ قال: "نعم"، إنه من ذهب إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا .

                                                                                              رواه أحمد ( 3 \ 268 )، ومسلم (1784).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله في الرواية الأخرى لعلي : (اكتب : من محمد بن عبد الله ) ; ليس معارضا للرواية التي تقدم ذكرها ; إذ ليس فيها : أن عليا كتب بيده ، وإنما فيها : أنه -صلى الله عليه وسلم- أمره بالكتابة كما أمره بالمحو ، فلم يمح علي ، ولم يكتب ، فلما امتنع علي منهما جميعا للوجه الذي ذكرناه ، قال له -صلى الله عليه وسلم- : ( أرني مكانها ) ; فأراه إياه ، فمحاه النبي - صلى الله عليه وسلم- ، وكتب بيده ، على ما تقرر من المذهب الأول . وعليه تجتمع الروايات المختلفة .

                                                                                              وقوله : ( فاشترطوا عليه : أن من جاء منكم لم نرده ، ومن جاء منا رددتموه علينا ) ; لا خلاف بين الرواة والمتأولين : أن الرجال داخلون في هذا اللفظ العام ، واختلفوا : هل دخل فيهم النساء ؟ فمنهم من منع ذلك ، واستدل بما جاء في البخاري في كتاب : الشروط ، في هذا الحديث ، وهو أنه قال : ولا يأتيك منا رجل [ ص: 639 ] على دينك إلا رددته إلينا . وهذا نص ، وعلى هذا : فلا يحتاج إلى اعتذار عن حبس النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء اللاتي أسلمن وهاجرن إلى المدينة . ولا أن نقول في قوله تعالى : فلا ترجعوهن إلى الكفار [الممتحنة: 10] أنه ناسخ . والأكثر على أنهن دخلن في ذلك العموم . وقد روي أن سبيعة بنت الحارث الأسلمي جاء زوجها صيفي يطلبها ، وكانت أسلمت ، وهاجرت . وكذلك أم كلثوم بنت عقبة ، فجاء زوجها : مسافر يطلبها بالشرط ، فأنزل الله تعالى الآية في النهي عن ردهن ، ورأوا : أن هذه الآية ناسخة لما تقرر بالشرط المتقدم ; الذي هو : ردهن إلى الكفار . والطريقة الأولى أحسن ، وأبعد عن الإشكال ; إذ لم يدخلن في الشرط .

                                                                                              ثم اختلفوا : فيما إذا صولح العدو على مثل هذا الشرط . فذهب الكوفيون : إلى أن ذلك لا يجوز ; لا في الرجال ولا في النساء . ورأوا : أن كل ذلك منسوخ.

                                                                                              ونحوه حكى مكي في "الناسخ والمنسوخ" له عن المذهب . وذهب مالك في المشهور عنه ، وحكي عن أصحاب الشافعي جواز ذلك ، ولزومه في الرجال دون النساء ، لكن بشرط أن يكونوا مأمونين على دمه .

                                                                                              وقيل : إنما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك لضعف المسلمين عن مقاومة عدوهم في ذلك الوقت ، وذلك لأنه إنما رد من رد ممن جاء مسلما لآبائهم ، وذوي أرحامهم ; لعطفهم عليهم ، ولحبهم فيهم ، ولصحة إسلام من أسلم منهم ، وللذي علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- من حال من رد : أنه سيجعل الله له فرجا ومخرجا ، وكذلك كان . وكل هذه الأمور معدومة في حق غيره -صلى الله عليه وسلم- ، فلا يحتج بتلك القضية على جواز ذلك . والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية