الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3276 [ 1259 ] وعن أبي النضر عن عبد الله بن أبي أوفى ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان في بعض أيامه التي لقي فيها العدو ، ينتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم ، فقال: "يا أيها الناس ، لا تتمنوا لقاء العدو ، واسألوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف". ثم قام النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "اللهم منزل الكتاب ، ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم".

                                                                                              وفي رواية : "اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، اهزم الأحزاب ، اللهم اهزمهم وزلزلهم .

                                                                                              رواه أحمد ( 4 \ 353 ) والبخاري (2933)، ومسلم (1742) (20 و 21) ، وأبو داود (2631).

                                                                                              [ ص: 525 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 525 ] وقوله : ( اللهم منزل الكتاب ، ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب ، سريع الحساب ) ; دليل على جواز السجع في الدعاء إذا لم يتكلف. والأحزاب : جمع حزب . وهم الجمع والقطعة من الناس ، ويعني بهم الذين تحزبوا عليه في المدينة فهزمهم الله تعالى بالريح . ووصف الله بأنه سريع الحساب ; يعني به : يعلم الأعداد المتناهية وغيرها في آن واحد ، فلا يحتاج في ذلك إلى فكر ولا عقد ; كما يفعله الحساب منا .

                                                                                              وقوله : ( الجنة تحت ظلال السيوف ) ; هذا من الكلام النفيس البديع ، الذي جمع ضروب البلاغة من جزالة اللفظ ، وعذوبته ، وحسن استعارته ، وشمول المعاني الكثيرة ، مع الألفاظ المعسولة الوجيزة ; بحيث تعجز الفصحاء اللسن البلغاء عن إيراد مثله ، أو أن يأتوا بنظيره وشكله . فإنه استفيد منه مع وجازته الحض على الجهاد ، والإخبار بالثواب عليه ، والحض على مقاربة العدو ، [ ص: 526 ] واستعمال السيوف ، والاعتماد عليها ، واجتماع المقاتلين حين الزحف ، بعضهم لبعض ، حتى تكون سيوفهم بعضها يقع على العدو ، وبعضها يرتفع عنهم ; حتى كأن السيوف أظلت الضاربين بها ، ويعني : أن الضارب بالسيف في سبيل الله يدخله الله الجنة بذلك . وهذا كما قاله في الحديث الآخر : (الجنة تحت أقدام الأمهات) ; أي : من بر أمه ، وقام بحقها ، دخل الجنة .




                                                                                              الخدمات العلمية