فصل [ ] حكمة شرع اللعان في حق الزوجة دون غيرها
وأما قوله : " وجعل للقاذف إسقاط الحد باللعان في الزوجة دون الأجنبية ، وكلاهما قد ألحق بهما العار " فهذا من أعظم محاسن الشريعة ; فإن قاذف الأجنبية مستغن عن قذفها ، لا حاجة له إليه ألبتة ; فإن زناها لا يضره شيئا ، ولا يفسد عليه فراشه ، ولا يعلق عليه أولادا من غيره ، وقذفها عدوان محض ، وأذى لمحصنة غافلة مؤمنة ، فترتب عليه الحد زجرا له وعقوبة ، وأما الزوج فإنه يلحقه بزناها من العار والمسبة وإفساد الفراش وإلحاق ولد غيره به ، وانصراف قلبها عنه إلى غيره ; فهو محتاج إلى قذفها ، ونفي النسب الفاسد عنه ، وتخلصه من المسبة والعار ; لكونه زوج بغي فاجرة ، ولا يمكن إقامة البينة على زناها في الغالب ، وهي لا تقر به ، وقول الزوج عليها غير مقبول ; فلم يبق سوى تحالفها بأغلظ الإيمان ، وتأكيدها بدعائه على نفسه باللعنة ودعائها على نفسها بالغضب إن كانا كاذبين .
ثم يفسخ النكاح بينهما ; إذ لا يمكن أحدهما أن يصفو للآخر أبدا ; فهذا أحسن حكم يفصل به بينهما في الدنيا ، وليس بعده أعدل منه ، ولا أحكم ، ولا أصلح ، ولو جمعت عقول العالمين لم يهتدوا إليه ، فتبارك من أبان ربوبيته ووحدانيته وحكمته وعلمه في شرعه وخلقه .