فصل :
[ أربعة أنواع المقبول منها نوع واحد ] أعمال العباد
وقوله : " فإن " والأعمال أربعة : واحد مقبول ، وثلاثة مردودة ; فالمقبول ما كان لله خالصا وللسنة موافقا ، والمردود ما فقد منه الوصفان أو أحدهما ، وذلك أن العمل المقبول هو ما أحبه الله ورضيه ، وهو سبحانه إنما يحب ما أمر به وما عمل لوجهه ، وما عدا ذلك من الأعمال فإنه لا يحبها ، بل يمقتها ويمقت أهلها ، قال تعالى : { الله لا يقبل من العباد إلا ما كان له خالصا الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا } .
قال : هو أخلص العمل وأصوبه ، فسئل عن معنى ذلك ، فقال : إن الفضيل بن عياض لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل ، حتى يكون خالصا صوابا فالخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة ، ثم قرأ قوله : { العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } .
فإن قيل : فقد بان بهذا أن العمل لغير الله مردود غير مقبول ، والعمل لله وحده مقبول ; فبقي قسم آخر وهو أن ، فلا يكون لله محضا ولا للناس محضا ، فما حكم هذا القسم ؟ هل يبطل العمل كله أم يبطل ما كان لغير الله ويصح ما كان لله ؟ قيل : هذا القسم تحته أنواع ثلاثة ; أحدها : أن يكون الباعث الأول على العمل هو الإخلاص ، ثم يعرض له الرياء وإرادة غير الله في أثنائه ، فهذا المعول فيه على الباعث الأول ما لم يفسخه بإرادة جازمة لغير الله فيكون حكمه حكم قطع النية في أثناء العبادة وفسخها ، أعني قطع ترك استصحاب حكمها ; الثاني : عكس هذا ، وهو أن يكون الباعث الأول لغير الله ، ثم يعرض له قلب النية لله ، فهذا لا يحتسب له بما مضى من العمل ، ويحتسب له من حين قلب نيته ; ثم إن كانت العبادة لا يصح آخرها إلا بصحة أولها وجبت الإعادة ، كالصلاة ، وإلا لم تجب كمن أحرم لغير الله ثم قلب نيته لله عند الوقوف والطواف ; [ ص: 125 ] الثالث : أن يبتدئها مريدا بها الله والناس ، فيريد أداء فرضه والجزاء والشكور من الناس ، وهذا كمن يصلي بالأجرة ، فهو لو لم يأخذ الأجرة صلى ، ولكنه يصلي لله وللأجرة ، وكمن يحج ليسقط الفرض عنه ويقال فلان حج ، أو يعطي الزكاة كذلك ; فهذا لا يقبل منه العمل . يعمل العمل لله ولغيره
وإن كانت النية شرطا في سقوط الفرض وجبت عليه الإعادة ، فإن حقيقة الإخلاص التي هي شرط في صحة العمل والثواب عليه لم توجد ، والحكم المعلق بالشرط عدم عند عدمه ، فإن الإخلاص هو تجريد القصد طاعة للمعبود ، ولم يؤمر إلا بهذا . وإذا كان هذا هو المأمور به فلم يأت به بقي في عهدة الأمر ; وقد دلت السنة الصريحة على ذلك كما في قوله صلى الله عليه وسلم : { } وهذا هو معنى قوله تعالى : { يقول الله عز وجل يوم القيامة : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فهو كله للذي أشرك به فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } .