[ زيادة السنة على القرآن وحكمها ] : المثال الثامن عشر :
كما في قوله : { رد المحكم الصريح في اشتراط النية لعبادة الوضوء والغسل وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } وقوله : { } وهذا لم ينو رفع الحدث فلا يكون له بالنص ; فردوا هذا بالمتشابه من قوله : { وإنما لكل امرئ ما نوى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } ولم يأمر بالنية ، قالوا : فلو أوجبناها بالسنة لكان زيادة على نص القرآن فيكون نسخا ، والسنة لا تنسخ القرآن ; فهذه ثلاثه مقدمات : إحداها أن القرآن لم يوجب النية ، الثانية أن إيجاب السنة لها نسخ القرآن . الثالثة : أن نسخ القرآن بالسنة لا يجوز . وبنوا على هذه المقدمات إسقاط كثير مما صرحت السنة بإيجابه كقراءة الفاتحة والطمأنينة وتعيين التكبير للدخول في الصلاة والتسليم للخروج منها . ولا يتصور صدق المقدمات الثلاث في موضع واحد أصلا ، بل إما أن تكون كلها كاذبة أو بعضها ; فأما آية الوضوء فالقرآن قد نبه على أنه لم يكتف من طاعات عباده إلا بما أخلصوا له فيه الدين ، فمن لم ينو التقرب إليه جملة لم يكن ما أتى به طاعة ألبتة ; فلا يكون معتدا به ، مع أن قوله : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } إنما يفهم المخاطب منه غسل الوجه وما بعده لأجل الصلاة كما يفهم من قوله : { إذا واجهت الأمير فترجل ، وإذا دخل الشتاء فاشتر الفرو } ونحو ذلك ; فإن لم يكن القرآن قد دل على النية ودلت عليها السنة لم يكن وجوبها ناسخا للقرآن وإن كان زائدا عليه .
ولو كان كل ما أوجبته السنة ولم يوجبه القرآن نسخا له لبطلت أكثر سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع في صدورها وأعجازها . وقال القائل : هذه زيادة على ما في كتاب الله فلا تقبل ولا يعمل بها ، وهذا بعينه هو الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيقع وحذر منه كما في السنن من حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { المقدام بن معدي كرب } وفي لفظ : { ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على [ ص: 220 ] أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ، ولا كل ذي ناب من السباع ، ولا لقطة مال المعاهد } قال يوشك أن يقعد الرجل على أريكته فيحدث بحديثي فيقول : بيني وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه ، وما وجدناه فيه حراما حرمناه ، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله الترمذي : حديث حسن ، وقال : إسناده صحيح . وقال البيهقي عن صالح بن موسى عن عبد العزيز بن رفيع أبي صالح عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة } فلا يجوز التفريق بين ما جمع الله بينهما ويرد أحدهما بالآخر ، بل سكوته عما نطق به ولا يمكن أحدا أن يطرد ذلك ولا الذين أصلوا هذا الأصل ، بل قد نقضوه في أكثر من ثلاثمائة موضع منها ما هو مجمع عليه ومنها ما هو مختلف فيه . إني قد خلفت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض