المثال الخامس والعشرون : وأنه يجوز الرجوع في الهبة لكل أحد إلا لوالد أو لذي رحم محرم أو لزوج أو زوجة أو يكون الواهب قد أثيب منها ، ففي هذه المواضع الأربعة يمتنع الرجوع ، وفرقوا بين الأجنبي والرحم بأن هبة القريب صلة ، ولا يجوز قطعها ، وهبة الأجنبي تبرع ، وله أن يمضيه وأن لا يمضيه ، وهذا مع كونه مصادما للسنة مصادمة محضة فهو فاسد ; لأن الموهوب له حين قبض العين الموهوبة دخلت في ملكه ، وجاز له التصرف فيها ; فرجوع الواهب فيها انتزاع لملكه منه بغير رضاه ، وهذا باطل شرعا وعقلا ، وأما الوالد فولده جزء منه ، وهو وماله لأبيه ، وبينهما من البعضية ما يوجب شدة الاتصال ، بخلاف الأجنبي . رد السنة الصريحة المحكمة في تحريم الرجوع في الهبة لكل أحد إلا للوالد برأي متشابه فاسد اقتضى عكس السنة
فإن قيل : لم نخالفه إلا بنص محكم صريح صحيح ، وهو حديث سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " { } قال من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها : قال لنا البيهقي أبو عبد الله - [ ص: 240 ] يعني - هذا حديث صحيح ، إلا أن يكون الحمل فيه على شيخنا ، يريد الحاكم أحمد بن إسحاق بن محمد بن خالد الهاشمي ، ورواه من حديث الحاكم عمرو بن دينار عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة } ، وفي كتاب الواهب أحق بهبته ما لم يثب من حديث الدارقطني عن حماد بن سلمة عن قتادة الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { } وفي الغيلانيات : ثنا إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها محمد بن إبراهيم بن يحيى عن محمد بن عبد الله عن عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : { ابن عباس } . من وهب هبة فارتجع بها فهو أحق بها ما لم يثب منها ، ولكنه كالكلب يعود في قيئه
فالجواب أن هذه الأحاديث لا تثبت ، ولو ثبتت لم تحل مخالفتها ووجب العمل بها وبحديث { } ولا يبطل أحدهما بالآخر ، ويكون الواهب الذي لا يحل له الرجوع من وهب تبرعا محضا لا لأجل العوض ، والواهب الذي له الرجوع من وهب ليتعوض من هبته ويثاب منها ، فلم يفعل المتهب ، وتستعمل سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها ، ولا يضرب بعضها ببعض ، أما حديث لا يحل لواهب أن يرجع في هبته فقال ابن عمر : لا يثبت مرفوعا ، والصواب عن الدارقطني عن ابن عمر قوله ، وقال عمر : ورواه البيهقي عن علي بن سهل بن المغيرة ثنا عبيد الله بن موسى قال : سمعت حنظلة بن أبي سفيان ، فذكره ، وهو غير محفوظ بهذا الإسناد ، وإنما يروى عن سالم بن عبد الله إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ، وإبراهيم ضعيف ، انتهى .
وقال : غلط فيه الدارقطني علي بن سهل ، انتهى . وإبراهيم بن إسماعيل هذا قال أبو نعيم : لا يساوي حديثه فلسين ، وقال : لا يحتج به ، وقال أبو حاتم الرازي : يحيى بن معين إبراهيم بن إسماعيل المكي ليس بشيء ، وقال : والمحفوظ عن البيهقي عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه عن : " عمر
{ } قال من وهب هبة فلم يثب منها فهو أحق بها إلا لذي رحم محرم : هذا أصح . وأما حديث البخاري عن عبيد الله بن موسى فلا أراه إلا وهما ، وأما حديث حنظلة فمن رواية حماد بن سلمة عبد الله بن جعفر الرقي عن ، ابن المبارك وعبد الله هذا ضعيف عندهم . وأما حديث ابن عباس فيه هو فمحمد بن عبد الله العزرمي ، ولا تقوم به حجة ، قال الفلاس : هو متروك الحديث ، وفيه والنسائي إبراهيم بن يحيى .
قال مالك ويحيى بن سعيد وابن معين : هو كذاب ، وقال : متروك الحديث ، فإن لم تصح هذه الأحاديث لم يلتفت إليها ، وإن صحت وجب حملها على من وهب للعوض ، وبالله التوفيق . الدارقطني